إذا اعتبرنا الدماغ هو العالم، فإن مناطق الدماغ ستكون بمثابة الدول. فداخل منطقة الدماغ، غالبًا ما تشكل الخلايا العصبية “حكومات” تعالج القضايا المحلية. على سبيل المثال، تحتوي القشرة البصرية على طبقات متعددة تتعامل تدريجيًا مع ما نراه. تتحكم القشرة الحركية في كيفية تحرك كل جزء من عضلاتنا. يعالج الحُصين ذكريات مكان وجودنا في الفضاء الملموس، وأين تركنا سياراتنا ومفاتيحنا، وأسئلة على غرار “متى رأيت هاتفي آخر مرة؟”
ومع ذلك، وبغرض توحيد مناطق متعددة من الدماغ، يلجئ الدماغ لحيلة ذكية: الموجات الكهربائية التي تتأرجح فوق مناطق مختلفة. بصفتها “دبلوماسيين عصبيين”، تحمل هذه الموجات قدرًا هائلاً من المعلومات عبر الدماغ، وتنسق النشاط العصبي المتفرق لتضمن أن تكون كل منطقة متزامنة مع الأخرى. تُقسّم الأنواع الأربعة الرئيسية لموجات الدماغ بناءً على مدى سرعة تذبذبها (على غرار عدد مرات تكسّر الأمواج على الشاطئ اعتمادًا على الظروف الجوية).
وأظنك سمعت عن بعضها.
تهيمن (موجات بيتا Beta waves)، على سبيل المثال، على الدماغ عندما تكون منغمسًا في عملية إبداعية. تظهر (موجات ألفا Alpha waves) عندما تسترخي على الأريكة مع كوب من الشاي الدافئ. اُستخدمات موجات دماغية أخرى كعلاج لمرض ألزهايمر، مما يدل على أنهم ليسوا مجرد سفراء يربطون مناطق الدماغ، ولكنهم أطباء محتملين بقدرة لانهائية على التخفي!
لكن بالنسبة لباحثي الذاكرة، تشكل (موجات ثيتا Theta waves) صلب اهتمامهم. هذه موجات بطيئة نسبيًا تنطلق في الدماغ أثناء أحلام اليقظة، أو في منتصف سباق ماراثون، أو أثناء الاستحمام بعقل مسترخي تمامًا. تضع موجات ثيتا، التي تؤثر في الحصين، الدماغ في حالة يكون فيها أكثر عرضة لتدفق الأفكار [على غرار “أفكار الاستحمام”]. هذه الحالة مهمة لقدرتنا على التعلم والحفظ، وكذلك من أجل المرونة العصبية؛ قدرة الدماغ على التكيف مع شيء غريب وجديد. تعمل موجات ثيتا مع موجات دماغية أخرى لمساعدتنا على تذكر الذكريات الشخصية (وهو شيء غالبًا ما يُفقد في داء ألزهايمر).
إذن ما علاقة الواقع الافتراضي بما سبق؟
الجواب: أكثر مما تتخيل. غالبًا ما تؤثر موجات ثيتا على الحُصين، مما يساعدك على تذكر الأشياء المتعلقة بالحيّز المادي، أو كيف تتنقل في مكان ما. يقول الدكتور مايانك آر ميهتا “Mayank R. Mehta” من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس:
حيث تتلف الروابط بين الحُصين وخلاياه العصبية تدريجياً.
يفسح الواقع الافتراضي المجال أمام عالمٍ كاملًا من التجارب، في مساحة افتراضية، يمكن أن “تعيد تدريب” الحُصين. وقد توقع العلماء إمكانية الاستفادة من موجات ثيتا في تخفيف الضرر المعرفي لدى الأشخاص المصابين بالخرف.
لكن بقيت تلك مجرد نظرية. فكانت الخطوة الأولى هي معرفة كيفية استجابة الدماغ للواقع الافتراضي.
بنى فريق من الباحثين -لصالح دورية Nature Neuroscience الطبية- بيئة افتراضية تبدو أقرب ما يمكن إلى العالم الحقيقي: منزل مُصغّر ذو مشار بطول سبعة أقدام مع مجموعات ألوان مميزة ونماذج بيئية.
في تطور ذكي، بنى الفريق أيضًا (ساحة لعب فعلية) تحاكي تمامًا عالم الواقع الافتراضي، ليروا كيف تفاعلت أدمغة الفئران بين الواقع الافتراضي والعالم الحقيقي.
فيما يصل إلى سبعة فئران، زرع الفريق محركًا فائقًا مما يقرب من 1000 قطب كهربائي أو أكثر (أصغر بكثير من عرض شعرة الإنسان)، في كلا جانبي منطقة الحصين لمراقبة النشاط الكهربائي. وعلى غرار دراسات سابقة؛ حيث ركضت الفئران في كل من مسار الواقع الافتراضي والعالم الحقيقي، رأى الفريق موجات ثيتا في الحصين.
ثم ازداد الأمر غرابة!
عملت إيتا باند كأحد أجهزة تتبع الأنشطة الداخلية، ولم تظهر إلا أثناء جري الفئران، ولكنها تختفي بمجرد سقوطها في وضع الخمول.
“ضُبط للواقع الافتراضي!”
وبغض النظر عن موجات إيتا (إيتا باند)، عززت الفئران التي ركضت في الواقع الافتراضي أيضًا موجات ثيتا مقارنة بنظيرتها في العالم الحقيقي.
لأول مرة، يبدو أن الواقع الافتراضي أدى لحدوث معالجة في الحُصين بشكل مختلف عما يحدث في حياتنا اليومية.
يذكر الباحثون أن إحدى الافتراضات تتلخص في كون للواقع الافتراضي مدخلات حسية مختلفة عن العالم الحقيقي. عند استكشاف عالمنا جسديًا، لدينا مدخلات من بشرتنا وبصرنا وأنفنا وآذاننا والعديد من الحواس الأخرى، والتي لا يمتلكها الواقع الافتراضي. وهذا يجعل الأمر أكثر إثارة للقلق من قدرة الواقع الافتراضي على تحفيز موجات ثيتا -وموجة إيتا الأبطأ- لأننا في الواقع الافتراضي نعتمد أساسًا على الرؤية.
ولكن ما هو واضح هو أن الدماغ يتفاعل مع الواقع الافتراضي والعالم الواقعي بطرق مختلفة. بحثًا عن السبب ، وجد الفريق أن نفس العصبون يمكن أن يدعم موجتين دماغيتين مختلفتين في وقت واحد؛ ثيتا وإيتا. تبدو الخلية العصبية مثل الشمندر (Beet)، مع “جذور” غنية وكثيفة للمدخلات، وجسم بَصلي، وفرع ناتج واحد. تعتبر جذور الإدخال مهمة لموجات ثيتا، لكن يبدو أن الجسم المنتفخ يدعم موجات إيتا.
يقول ميهتا: “كان ذلك مذهلاً حقًا. يسير جزءان مختلفان من الخلايا العصبية بإيقاعهما الخاص.”
الخلاصة
الدماغ أكثر تعقيدًا بكثير مما كنا نظن. يتمثل أحد الاتجاهات في علم الأعصاب في دراسة كيف أن فروع الإدخال لها حسابات منفصلة عن جسد الخلايا العصبية، حتى نتمكن من فهم ومحاكاة أدمغتنا بشكل أفضل. ومع الواقع الافتراضي، عثر المؤلفون على أداة قوية.
إذا وضعنا الدماغ جانباً، فإن اكتشاف موجات إيتا يمكن أن يغير ما نعرفه عن قدرات التعلم في الدماغ. يقترح المؤلفون أن موجات إيتا يمكن أن تحلل النشاط داخل الحُصين إلى “تيارات متوازية من معالجة المعلومات – parallel streams of information processing”. نظرًا لأن هذه الموجات أبطأ من موجات ثيتا النموذجية المرتبطة بالتعلم، فمن المحتمل أن تؤدي إلى تجزئة عملية التعلم مما يسمح لنا بتسريعها.
?? من مدونات الأصدقاء ??
? تقنية الواقع الافتراضي: متى نشأت، كيف تطوّرت، وكيف يتمّ استخدامها في حياتنا اليومية؟
? الواقع الافتراضي في التعليم VR in Education
? استخدام تقنية الواقع الافتراضي والمعزز لدعم التعليم عن بعد لمواجهة فيروس كورونا
? الفارق بين الواقع الإفتراضي والواقع المعزز VR,AR
? ماذا يسرق هاتفك الذكي منك.. عدا إنتاجيتك طبعًا؟
تعليق واحد على “كيف كشف الواقع الافتراضي “VR” عن موجة دماغية فريدة تعزز التعلم؟”