وكالعادة، أبدأ لا على التعيين.
فوجئت بقدر الاهتمام التي تلقته تدوينة عمّا يبحث/يخاف/يندم ذاك التنين؟: فالزميلة شروق بن مبارك تتحدث عن مدى تأثرها بها. وهناك آخرون، أنا متأكد.. فقد قرأت تلك التدوينات بنفسي.
لماذا لا ندّون كما نتحدث؟
يُلّح هذا السؤال على عقلي كثيرًا، فأنا أتفهم أن تكون أفكار الكُتب مرتبة وفق نموذج معين بهدف إيصال الفكرة، لكننا هنا -في عالم التدوين- نعبّر عن أنفسنا، وأي محاولة لترتيب الأفكار داخل التدوينات الشخصية تمثّل وأدًا للهدف من تلك التدوينات.
أمهد من خلال العبارة السابقة لكمّ العشوائية الذي ستصادفه تباعًا!!
نشرت الزميلة أسماء -منذ أسبوع تقريبًا- مراجعة لرواية سياحة إجبارية. بالطبع فإن أي محاولة لشكرها -وبغض النظر عن الكلمات المُستخدمة- لا توفيها حقّها، لذا سأتجاوز هذه النقطة.
ضمن أحد ردودها، وصفتني بالمراوغ
في البدء، أضحكني الوصف جدًا.. ثم انتبهت إلى أن النقطة -محل الاختلاف- مهمة للغاية.
جاء الوصف كتعبير عن /تحطم الصورة الذهنية/ المرسومة في عقلها للكاتب طارق، الصورة التي تمثّل أحد أوجه شخصيتي فحسب، في حين أننا -كبشر- كائنات معقدة للغاية، ويستحيل أن نتألف من طبقة واحدة. نحن أشبه بصورة رائعة على برنامج الفوتوشوب: مؤلفة من طبقات “layers” عدٍة، وحذف أحدها يُفسد جمالـ ـها/ــنا.
تكوّن ذات الانطباع عند فرزت (وإن كان استخدم عباراتٍ منمقة أكثر!)
وبما أننا نتحدث من عالم تويتر، وصلتني قبل أيام دعوة للحديث من الصديق عامر حريري، ولكرم أخلاقي اللامتناهي ? قبلتها. تحدثنا على مدار ساعة و21 دقيقة في مواضيع شتى، ولا أنكر أبدًا أنني استمتعت بالحديث إلى أبعد حدّ، إنما كان يشغلني سؤال واحد: ما هي الغاية من ذاك الاتصال؟!
يوضّح هذا السؤال حجم النزعة المادية التي انغمست بها مؤخرًا! وكأن أحاديث الأصدقاء لا بدّ لها من غاية.
في الحقيقة، لطالما كانت الأحاديث -بالنسبة ليّ- ذات غاية يتيمة: أن أعبّر عمّا في داخلي للطرف الآخر، أغرقه بسلبيتي، ولهذا فشلت “جميع” علاقات الحُب التي مررت بها.
سأستعيد الحديث من براثين (متاهة) الحُب قبل أن يضيع، أو ربما لا أفعل.. بل اسأل:
ما الذي قبع خلف أحاديثك السلبية يا طارق؟
عانيت في فترة المراهقة من شعور بالدونية ممزوجًا بنزعة غرور لامحدودة، كنت أظن نفسي كعبة للكون لا بدّ له من الطوفان حولها. وفي إحدى اللقاءات القليلة التي جمعتني مع والدي (نعم! والدي -أطال الله في عمره- رجلٌ مشغول جدًا) صارحته: أريد أن تستمعوا إليّ!
فقال: ها أنا استمع..
فكيف بدأت الحديث آنذاك.. لم أبدأه أصلًا.. لقد صدمني (الحصول على ما أريده) لدرجة أن عُقد لساني.
نعود بالزمن إلى العام الجاري.
كثيرًا ما أنتهي من مهامي مع تباشير الصباح، وأستلقِ على الأريكة لاسأل نفسي: ما الذي تُريده يا طارق؟
ثم يدور الحوار التالي:
أنا) ما الذي تُريده يا طارق؟
أنا-2) أريد شخصًا أتحدث إليه، يستمع إليّ جيدًا، ويفهم ما أريده
أنا) أنا خير من يستمع إليك ويفهمك مهما بلغ سوء اختيارك لمفرداتك، فأنا أنت، والآن: تحدث!
أنا-2) لا شيء في هذا العالم يُعجبني، ولا حتى أنا أُعجب نفسي. كل ما حولي سيء، ويشي بالأسوء، أنا شخصٌ مخيب للآمال جدًا، وجودي أسوء من عدمه، هذا كل شيء.. لالا.. هذا لا شيء مما في داخلي.
أنا) لن يُعجبك أيًا مما سأقوله، لذا أخلد للنوم.
فأنام بالفعل!
على الهامش، حالتي النفسية والبدنية الآن مُشابهة لوقت كتابة تدوينة عمّا يبحث/يخاف/يندم ذاك التنين؟
قارئي العزيز في المستقبل،
لاحظ شدّة المركزية والتمركز حول الذات في حديثي مع نفسي، هذا يؤكد أنني أقاوم وأقاتل لإيماني بأحقيّتي بالأفضل. وهو ما ينطبق عليك أيضًا.
تحدثت الزميلة خديجة عن مشكلة لا أعانيها: تخلَّ عن هاتفك قليلاً!
لماذا تحولت هواتفنا إلى إدمان؟
ببساطة، لأننا نبحث عمّن يتحدث عنّا، أتحدث من منطلق تجربة شخصية جدًا!
فطيلة سنوات، كان هاتفي لا يُفارق يديّ لأنني أبحث عن منشور/تغريدة/تدوينة يذكرني فيها أحدهم بخيرٍ أو سوء، المهم أن يذكرني، أن أُصبح محطّ جدال ما.
كيف تخلصت من هذا الهوس؟ الإجابة داخل هذا التعليق.
حتى وقتٍ قريب، كنت أحتفظ بقائمة طويلة من تدوينات تركت تعليقي داخلها، وتحديدًا التعليقات التي يُراقبها أصحابها فلا ينشورنها مباشرةً. ومع زقزقة العصافير، كنت أستيقظ لأتفقد قائمتي تلك (كمن يرعى طفلًا.. ميّتًا).
بما أنني بدأت أفقد القدرة على تبيان موضع حرف (أ) من شدّة التعب < جملة طويلة!
فاسمحوا ليّ أن أختم التدوينة بذكر معنى عنوانها:
قبل نحو 20 عامًا، كان نظام التشغيل ويندوز98 يفتقد ميزة إيقاف التشغيل التلقائي، فكان يتوجب على مستخدميه ضغط زرّ الطاقة بأنفسهم، ولكن ليس قبل أن تظهر العبارة التي أخترتها كعنوان وصورة بارزة.
ربما نحتاج أن (نُطفئ عقولنا) ونرتاح قليلًا، بالتأمل أو حتى الشرود دون هدف. ثم ما المانع من أن تنطلق أفكارنا جامحةً فلا ندونها ولا نناقشها؟ لما لا نسمح لهواجسنا بالتنّفس قليلًا؟
ثم، إن كان القلق قادمًا لا محالة، فلما لا نستقبله بعقولٍ صافية؟
اللهم اعِنّي على ضغط زرّ “نشر”
عزيزي طارق
أما بعد
لقد سألت سؤالك في تدوينة وسأرد عليه في تدوينة 🙂
كامل التحية
وأنا أنتظرها بفارغ الصبر
https://khatawat.blog/2020/07/27/%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%b0%d8%a7%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%9f/