كيف لا يتأثر الطبيب النفسي بمشاكل ومشاعر مرضاه؟

🔴🔴 لا تقع المشاعر، بطبيعتها، تحت سيطرتنا المباشرة.

إضافةً لإشباع فضولك حول إجابة السؤال أعلاه، سنتعلم اليوم 5 مهارات تساعدنا على التعامل مع المشاعر الصعبة التي يواجهها الآخرون بفعالية، وأريدك أن تتخيل قيمتها -التي لا تُقدّر بثمن لكل علاقة في حياتك، بدءًا من علاقتك بالشريك مرورًا بمديرك في العمل، وليس انتهاءً بأبنائك وأصدقائك.

“كيف تجلس وتستمع لمشاكل الناس طوال اليوم.. ألا تشعر بالاكتئاب؟”

كانت إجابة الطبيب النفسي: لا، على الإطلاق. ثم سرد المهارات التي أخبرتك عنها.

عندما يعاني أحد المقربين من القلق، أو الحزن المرير، أو الإحباط الشديد، فمن الطبيعي أن ننظر إلى مشاعره تلك باعتبارها مشكلة (يجب الاهتمام بها والتعامل معها فورًا، لمصلحته ومصلحتنا).

لذا نلجأ -في أحايين كثيرة- إلى تقديم نصيحة. وكما نعلم، تقديم النصيحة لشخص منغمس في شعوره يأتي -في الغالب- بنتائج عكسية.

والآن، ماذا لو غيرنا وجهة نظرنا قليلاً وحاولنا رؤية (الشعور) باعتباره أحجية؟ 🧩
يضعنا النظر إلى شعور الشخص السلبي باعتباره (مشكلة) في إطار أخلاقي: نفكر في العاطفة باعتبارها شيئاً سيئاً ينبغي التخلص منه بسرعة.

في المقابل، يضعنا اعتبارها أُحجية في حالة فضول. وعندما نشعر بالفضول إزاء مشاعر شخص آخر، يسهل علينا كثيراً استيعابها وتفهّمها والتعاطف معها. وفي الواقع، ذاك ما يريده أغلب مَن يواجهون مشاعر قوية.

اعتبارًا من اليوم، ركّز في حديثك الداخلي عندما يكون شخص تحبه منفعلًا. كيف تفكر في مشاعره؟ حاول كبح أفكار على غرار:

  • ألا يرى أن هذا حزنه/غضبه/إحباطه .. لا يفيده بأي شيء؟
  • لو أدرك مدى تأثيره على الآخرين، لما كان هذا حاله الآن.

وتبنّى الأسئلة الأكثر إثارة للفضول، مثل:

  • ما الذي يدور في خُلده، ليؤدي إلى هذا القدر من المشاعر المؤلمة؟
  • ما المواقف أو الظروف الخارجية التي ربما جعلته يختبر هذه المشاعر؟
  • لا أحد يُحب مشاعر الحزن، فهل يحصل على أي فائدة من حزنه؟

عندما ننتقل من منظور [المشكلات] إلى [الألغاز]، يصبح تفكيرنا مدفوعًا بالفضول عوض الأخلاقيّات، وهو ما يكون أفيد في الحالات الشعورية المكثفة، سواء بالنسبة لك أو للشخص الآخر.


يعني التعاطف -كما هو معلوم- وضع نفسك مكان الشخص، ومحاولة التماهي بأفكاره ومشاعره وتجاربه وظروفه. والتعاطف مهارة مهمة للغاية، ويجب تنميتها بكل طريقة ممكنة. أما للتعامل مع مزاج الآخرين السيئ، فأنصحك بالنسخة الأفضل، أسميها التعاطف العكسي Reverse empathy.

عوض افتراض أنك مكان شخص آخر، تحاول -عبر التعاطف العكسي- استحضار موقف مشابه كنت تختبر فيه ذات خليط المشاعر الصعبة والمزاج المتعكر.

على سبيل المثال، إذا كان محدثك محبطًا ورأسه يشتعل غضبًا، فإرجع في ذكرتك لوقت كنت فيه محبطًا حد أنك عجزت عن التفكير بشكل سليم:

  • ماذا حدث لتغضب إلى هذا الحد؟
  • ما أنواع الأفكار والمشاعر التي كانت تتسابق في عقلك؟
  • كيف واجه الناس من حولك “فورة غضبك”؟
  • والأهم، ما الذي أردته، أو إحتجت إليه، أو تمنيت حدوثه آنذاك؟
🔴🔴 لا تقع المشاعر، بطبيعتها، تحت سيطرتنا المباشرة.

في كثير من الأحيان، قد يكون التعاطف العكسي وسيلة أقوى لإدراك معاناة الآخر؛ لأنه يعتمد على تجاربك الخاصة لا على تجارب افتراضية.

وبقدر استطاعتك “ربط” نفسك بما يمر الآخرون به، تزيد قدرتك على تقديم المساعدة والدعم الحقيقين للشخص، ناهيك عن تقليل انفعالك وحساسيتك.


من دون شك، أكبر خطأ أرى الناس (وخاصة الأزواج) يرتكبونه في تواصلهم: التشبّث بوضعية “الإصلاح”

على سبيل المثال: يشعر ماجد بالاستياء من شيء ما ويحاول وصف مشاعره وتبرير سببها. تراه زوجته (عائشة) متألمًا، فتحاول -كردّ فعل تلقائي- أن تخفف عنه وتوجد له حلولًا.

وهنا تكمن المشكلة 🤦‍♂️

في الغالب، لا ينتظر مَن يعاني مشكلة وجدانية حلولًا، وإنما تفهمّا

دع الفكرة تختمر في عقلك؛ فرغم تعارضها مع البديهيات، تبقى حقيقة كونية في علم النفس البشري. وبمجرد أن تؤمن بها وتبدأ في التصرف وفقًا لها، يتحسن شعور الجميع.

عبر ممارسة أسلوب يُدعى (الاستماع التأملي Reflective listening).

ويعني -ببساطة- أنه عندما يخبرك الشخص بأمرٍ ما، فإنك تُكرر كلامه، إما حرفيًا أو بوضع لمستك الخاصة عليه. على سبيل المثال:

🙇‍♂️ الشخص: لا أصدق أن رامي أحرجني هكذا أمام جميع الموظفين!
🧏 أنتِ: يبدو أنك شعرت بالحرج حقًا.

🙎‍♂️ الشخص: أنت لا تستمع أبدًا، بل تكتفي دائمًا بتقديم النصائح.
🧏 أنتِ: يبدو أنك تشعر أنني أميل إلى تقديم النصائح فقط دون الاستماع حقًا إلى ما تقوله.

قد يبدو ذاك “سُخفًا” أو “تعاليًا”، لكنني أعدك أنه سينجح. ذاك أن الأمر لا يتعلق بفحوى ما يقوله الشخص، بل بمشاعره.

كليكما يعلم أنه شعر بالإحراج الشديد آنذاك! إذًا، فالقيمة الحقيقية لترديد ما قاله للتو هي إحساسه بأنك معه، وبينكما صِلة، كما أنك متفهم له وفي صفه.

من خلال “مطابقة” تجربة شخص آخر، فإنك تقدم له ما يتجاوز النصيحة قيمة: تمنحه تواصلًا حقيقيًا.


أصعب ما في التعامل مع أمزجة الآخرين السيئة: أنها تُثير -بدورها- مشاعر سيئة داخلنا:

“زوجي حزين وكئيب، فأشعر بالإحباط”
“مُديري في العمل قلق طوال الوقت، فينتقل توتره إلي!”
“والدي غضوب وسريع الانفعال، فأجد نفسي منزعجًا”

المشكلة أننا، وبمجرد الغرق في دوامة مشاعرنا الصعبة، يغدو من الصعوبة بمكان أن نتمتع بالقدر الكافي من المرونة النفسية والانفعالية للتعامل مع مزاجنا ومزاج شخص آخر. ولهذا غالبًا ما يؤول بنا الأمر للتفاعل مع مزاج الآخرين السيئ بطريقة لا تفيدهم، ولا تفيدنا، ولا تفيد علاقتنا بهم.

يكمن الحل في تحسين قدرتنا على ملاحظة وإدارة استجاباتنا العاطفية -أولًا بأول- لئلا تخرج عن السيطرة. كيف؟ من خلال عملية تسمى التحقّق العاطفي Emotional validation.

أيّ، الاعتراف بمشاعرنا وتذكير أنفسنا بأنها حَسنة ومقبولة (حتى لو كانت غير مريحة).

على سبيل المثال: لنفترض أن زوجك ظلّ منزعجًا طوال المساء بسبب موقف ما في العمل. ترينه محبطًا وغاضبًا و ربما قلق بعض الشيء، وليس ثمّة ما يوحي بتحسّن مزاجه. وفي حين استطعتِ تحمّل الأمر خلال الساعات القليلة الماضية، بدأ تتضايقين منه.

فعوض أ) التصرف بناءً على هذا الانزعاج وقول شيء يزيد الأمر سوءًا أو ب) جلد ذاتكِ لأنكِ متكدرة، يمكنك تبرير انزعاجك. يمكنك التوقف لبضع ثوانٍ، والاعتراف بأنكِ تشعرين بالانزعاج والإحباط تجاه زوجك، وتذكير نفسك بأنه “شعور طبيعي”، ثم سؤال نفسك عن أجدى طريقة للمضي قدمًا.


من أشهر الأخطاء التي يقع فيها الناس -عندما يحاولون التعامل بعملية مع حالة الآخرين المزاجية السيئة- الإفراط في توسيع مسؤوليتهم تجاه الشخص .. لتشمل مشاعره.

لنوضح ذلك قليلاً:

🔴 لسنا مسؤولين إلا عمّا يمكننا السيطرة عليه.
🔴🔴 لا تقع المشاعر، بطبيعتها، تحت سيطرتنا المباشرة.
🔴🔴🔴 ولأننا عاجزون عن التحكم في المشاعر بشكل مباشر، فلسنا مسؤولين عنها (سواء مشاعرنا أو مشاعر الآخرين).

🟢 إنما، نحن مسؤولون عن أفعالنا: كيفية تصرفنا وتفكيرنا.

💢 عندما نحمّل أنفسنا المسؤولية عن أشياء خارجة عن إرادتنا، فسنعرّضها لإحباط وخيبة أمل واستياء لا داعي لهما.
✅ وعلى الجانب الآخر، عندما نكون واضحين بشأن ما نمتلك السيطرة الفعلية عليه وبالتالي المسؤولية عنه، نصبح قادرين على استخدام جهودنا ومواردنا بأكبر قدر كفاءة ممكن.

حين تخفّض سقف توقعاتك حيال قدرتك على تحسين شعور الآخر، سيغدو بمقدورك اتخاذ خطوات حقيقية للتواصل معه بطريقة صادقة وتقديم العون الحقيقي له.

كلمة أخيرة

يصعب التعامل مع المزاج السيئ والعواطف المؤلمة، فحتى لو فشلت تمامًا في مساعدة الشخص الآخر – أو لم ترغب بذلك أصلًا!- فستساعدك مهارات (التحقق العاطفي والاستماع التأملي) في الحفاظ هادئًا ومؤثرًا عوض كونك متأثرًا وانفعاليًا في مواجهة الحالة المزاجية السيئة للآخرين.

كيف لا يتأثر الطبيب النفسي بمشاكل ومشاعر مرضاه؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى