في العصرونية، طرحت المدوِنة مها البشر على ضيفتها سارة موسى الغامدي مؤسسة “سين” سؤالًا أستوقفني للحظات: هل لديك “إخفاقٌ مفضل”؟
شعرت أن السؤال استثار داخلي رغبةً بالحديث عن سلسلة إخفاقاتي المفضلة:
(1)
(د. طارق) لم يُرق ليّ هذا اللقب يومًا! لطالما شعرت داخلي برغبة في.. قتل أبي، بحسب تعبير الإعلامية أمل السعيدي، منذ إن كنت طفلًا، حرصت على السخرية من كافة القوالب التي يحاول المجتمع زجّنا داخلها: كنت أمقت صورة الشخص الطيب التي تؤطرني، أكره الاجتماعات العائلية التي يُفترض فيها أن أكون باشًّا طيلة الوقت، أما عدويّ الأول.. فهو الاعتذار (الآن، أنا أعتذر كثيرًا للعالم على وجودي فيه).
ومع ذلك، ما إن ظهرت نتيجتي السيئة في الثانوية العامة، حتى بكيت.. لن أُصبح طبيبًا، إذًا فقد فوّت فرصتي الأخيرة لكسب احترام والديّ كشخص أنفق عليه الآلاف.
باختصار، انحدرت ثقتي بنفسي -بعد إخفاقي في الثانوية العامة- نحو الحضيض.
الآن، وحين أنظر للخلف، أحمد الله أن رتّب ليّ قدري بهذا الشكل، فلو كنت طبيبًا الآن، لما تسنى ليّ إخراج أفضل ما لديّ من خلال الكتابة. حسنًا، أعلم أن هناك العديد من الأدباء الأطباء، لكنني على ثقة أنني لن أكون منهم لو قُدّر لي أن أعمل كطبيب.
(2)
لم يسبق ليّ أن تركت شركة عملت فيها دون مشاكل، بل وحتى حين عملت في شركة والدي، تقدمت باستقالتي لشعوري أنيّ في المكان غير المناسب! وفي المكان الوحيد الذي كان يدفع جيدًا، تشاجرت مع أحد الموظفين وطُردت!
رغم ذلك -ولسخرية القدر- يحاول العديد إغرائي بالعمل لديهم، كيف ولماذا؟ لا أعلم!
في كل مرة، كنت أشعر بالآسى، واتسائل: “لماذا يحدث ذلك معي؟ ماذا لو طالت فترة عملي في الشركة وترقيّت وارتفع أجري؟” في البداية، اتخذت الآخرين شمّاعة لأخطائي، لكن -مع الوقت- أدركت أن لا أحدّ يتحمل أخطائي سوايّ.
الآن، أعتبر أن ما حدث هو نفحة من الله، وإلا لما تجرأت وأصبحت مدونًا مستقلًا.
حين يسكن العابرون ذاكرتك
على عكس الأعياد الماضية، أتى عيد الفطر لهذا العام بحفنة قليلة من المعايدات الجماعية (لا أتلقى معايدات فردية إطلاقًا)، وكأنني سقطت من جهات اتصال العشرات، لا يُزعجني الأمر.. بل أجده مريحًا. هذا لا ينفي شعوري بالوحدة.
تقاذفتني هذه الأفكار بعد قراءتي لما كتبته إيمان سعود:
ستكون مفاجأة أن يرى المارين في أيامي أنهم موجودين هنا في رأسي، رغم أنهم مثلا لم يقولوا الكثير، أو ربما لم ينطق أحدهم كلمة واحدة كانوا عابرين فقط أو يتحدثون مع أحد آخر، إنه حتى لا يعرفني، لكنه يعيش بنسخة معدلة في البطيخة التي أحملها بين كتفيّ.
يعلق العابرون في أذهاننا أكثر ممن اعتدنا عليهم، بل وأكثر من أهالينا أحيانًا. أؤمن بهذه الفكرة وأُحييها داخلي عقلي لأُدرك في لحظة صفاء أننا جميعًا عابرون، وأن من نختلف معه اليوم سيرحل ذات يوم، ليبقى ذاك الاختلاف معلقًا في الهواء كجنينٍ يرفض التخلي عن حبله السريّ.
وحين أقول (جميعًا) فأنا أقصد الشخص القريب قبل البعيد.
وكفى بالموت واعظًا.
أشعر بوجود كيمياء غريبة بين ما أحاول قوله هنا وتدوينة عبد الله أحمد عن الشجاعة
“ولكنني لا أريد العيش دونك، وإن كنت أستطيع”
إن أثار الاقتباس السابق فضولك، فيمكنك إشباعه من خلال قراءة تدوينة سعالٌ غير مُعْدٍ التي تغوص عبرها الكاتبة سارة عبدالعزيز -ذات التدوينات السنوية- في الجانب المخفي للمجتمع الأمريكي.
قبل أيام، تحسّرت على حالي كشخص يعيش في العالم العربي، جاء ذلك على خلفية تحديات مثيرة للجنون والغثيان خلال تلك الأيام (أعلم أن العبارة متحذلقة، وخاصةً تعبير “على خلفية”).
تبدأ القصة مع قرار العودة إلى الوطن الذي حدثتكم عنه في التدوينة الماضية، والذي عنى اضطراري لبيع أثاث منزلي، وهنا بدأت المشاكل:
اُضطررت للتعامل -كمنطوٍ- مع كمّ ضخم من الأشخاص الغرباء، وقد عمد معظمهم للتبخيس من قيمة الأثاث، كان ذلك يُثير غضبي إلى حدّ حرماني من النوم المستقر، ولكم وددت لو أخرجت نزعاتي الساديّة أمامهم، ولكن ما باليد حيلة، فنحن لا نعيش في أمريكا!
أعجبتني وجهة النظر التي طرحتها نجم في تدوينتها كيف تغيرت قيمنا الإنسانية، والتي تتسق بشكل كُليّ مع كل ما يحدث، فما بين إصراري على رؤية ذاتي كإنسان لا يسعى خلف الماديّات، والتجربة العملية سابقة الذكر التي أثبتت أنني متوهم، أجد أننا بحاجة لمن يُذكّرنا بخطر ربط الرضا عن الذات بالإنجازات المهنية، بحسب عنوان التدوينة.
وبحسب التدوينة أيضًا، في اللحظة التي يتسبب بها إنتاج الفن بالضغوط والتوتر كنتيجة لتسليع الفن، فإنه يفقد معناه الأساسي الذي جعلنا نلجأ إليه في البداية. حين يُسلّع الفن فهو -بشكل مباشر- يفقد قدرته على تحقيق “التشافي” والعلاج النفسي إن صح التعبير.
أظنني الآن أفهم الدافع خلف قرار صديقي فرزت الابتعاد عن التدوين لأجلٍ غير مسمى. لكنني -وعلى عكسه- لا أستطيع التخليّ عن التدوين والكتابة رغم تحولهما إلى سلعة معنوية ومادية.
وقبل أن أختم التدوينة، أترككم مع مقطع فيديو لطيف
أحببت هذه التدوينة ^_^
يُسعدني ذلك 😀
لو تصرف أباؤنا بمعيار أن لكل إنسان ملكات وصفات معينة وتركوا لنا حرية الاختيار وشجعونا عليها كانت ستتغير أمور كثيرة والله أعلم .. ولكنها القوالب التي ذكرت .. وأكثر أنواع تلك القوالب بؤساً هي النظر الى الآخرين وتلك المحاولات البائسة في أن نكون أفضل منهم بشيء ما مع أن الظروف والاستعدادات لذلك شيء ليست متوفرة لنا بالقياس لظروفهم هم .. ليس من المهم أن نكون أفضل من أي شخص مهما كان المهم أن نشعر بالرضا من أنفسنا وهذا أمر بيننا وبينها ولا دخل للناس به ..
بالنسبة لكون بعض الأطباء هم أدباء أيضاً فهذا لا دخل له بالطب .. وكما قلت أنت الطب يبعدك عن أمور كثيرة .. لن أضيف أكثر .. ولكنها ملكة معينة من الممكن أن تتواجد عند بعض الناس كما ملكة الرسم أو تأليف الشعر والأغاني .. ولا دخل للدراسة والعمل وبأي وضع آخر لها .
من منظوري كأب، أرى أن مهمة “ترك حرية الاختيار” للأبناء مهمة شاقة، هناك دافع غريب يتولد داخل كلًا منّا: أريد لابني ما أراه الأفضل له. أعجبني ما ذكرته عن الرضا من أنفسنا 😍
بصراحة، لم أنتبه لمسألة أن الكتابة عبارة عن مّلكة كالرسم.. ربما أكون متعصبًا في هذا 😅
أرجوك، لا تحرمني من تعليقاتك الثريّة