أحد أكبر الأشياء التي تحرمنا من تقديم عمل رائع هو خوفنا من صنع شيء تافه. وهو خوف عقلاني بالمناسبة.
تمر العديد من المشاريع الرائعة بمرحلة مبكرة حيث لا تبدو مثيرة للإعجاب، حتى بالنسبة لمنشئيها! ورغم أنه يتوجب عليك المضي قدمًا في هذه المرحلة للوصول إلى العمل العظيم الذي ينتظرك خلفها. لكن الكثيرين لا يفعلون ذلك.
معظمنا لا يصل إلى مرحلة صنع شيء ما يشعر بالحرج منه، ناهيك عن الاستمرار حتى تجاوزه. نحن -جميعًا- خائفون جدًا حتى من البدء. تخيل لو تمكنا من تجاوز الخوف من عمل شيء تافه أو سخيف أو ممل. كم سترتفع إنتاجيتنا حينها برأيك؟
هل هناك أي أمل في تجاوزه؟
أؤمن أن الإجابة هي (نعم).
صنع أشياء جديدة -في حد ذاته- شيء جديد بالنسبة لنا كبشر. ربما كان يحدث على مرّ التاريخ، ولكن حتى القرون القليلة الماضية كان حدوثه بطيء لدرجة كونه غير مرئي على مستوى الأفراد. وبما أننا لم نكن بحاجة للتعامل مع الأفكار الجديدة، فإننا لم نطور أيًا منها.
نحن فقط لا نمتلك خبرة كافية في (الإصدارات المبكرة) من المشاريع الطموحة لنعرف كيف نتعامل معها. وإنما نحكم عليها استنادًا إلى حكمنا المستمر على الأعمال المنجزة، أو المشاريع الأقل طموحًا. متجاهلين حقيقة أنها “حالة خاصة”، أو على الأقل، معظمنا يفعل ذلك.
أحد الأسباب التي تجعلني واثقًا من قدرتنا على القيام بعمل أفضل هو أن ذلك يحدث بالفعل. هناك بالفعل عدد قليل من الأماكن التي تعيش المستقبل في هذا الصدد. ووادي السيليكون أحدها: لن يُستبعد -تلقائيًا- أي شخص مجهول يعمل على فكرة تبدو غريبة، بحيث يعود بها إلى منزله. في وادي السيليكون، تعلّم الناس مدى خطورة ذلك.
كيف تتعامل مع الأفكار الجديدة؟
الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأفكار الجديدة هي معاملتها على أنها تحدٍ لخيالك، وليس فقط عبر وضع معايير أقل للحكم عليها، وإنما باستبدال طريقة نظرك إليها تمامًا، فعوضًا عن سرد الأسباب التي تحول دون نجاح فكرة ما، عليك محاولة التفكير في الطرق الممكنة لها.
هذا ما أفعله عندما أقابل أشخاصًا لديهم أفكار جديدة. لقد أصبحت جيدًا في ذلك، لكنني خضعت للكثير من التدريب حتى أصل إلى هذه المرحلة! أن تكون شريكًا في Y Combinator يعني الانغماس عمليًا في أفكار -تبدو غريبة- يقترحها أشخاصٌ مجهولون. كل ستة أشهر ستحظى بالآلاف من الأفكار الجديدة التي ستُلقى أمامك وعليك أن تفرزها، واضعًا في الحسبان أنه في عالم تسوده قوّة المُشتتات، سيكون الأمر واضحًا بشكل مؤلم إذا فقدت الإبرة في كومة القش هذه. وهكذا يصبح التفاؤل أمرًا ملحًا.
لكني آمل أنه بمرور الوقت، يمكن أن ينتشر هذا النوع من التفاؤل على نطاق واسع بما يكفي ليصبح عادة اجتماعية، فلا يعود مجرد حيلة يستخدمها عدد قليل من المتخصصين. فبعد كل شيء، يُعتبر ذاك التفاؤل حيلة مربحة للغاية، وتميل إلى الانتشار بسرعة.
سبب “شرير” لرفض الأفكار الجديدة!
بالطبع، قلة الخبرة ليست السبب الوحيد الذي يجعل الأشخاص متطرفي القسوة في التعامل مع الإصدارات المبكرة من المشاريع الطموحة. وإنما يفعلون ذلك أيضًا ليظهروا كأذكياء. وفي مجال تكون فيه الأفكار الجديدة محفوفة بالمخاطر، مثل الشركات الناشئة، فإن أولئك الذين يرفضونها هم في الواقع على الأرجح محقّون.
ولكن هناك سبب آخر (شريرٌ) لرفضنا الأفكار الجديدة. إذا جربت شيئًا طموحًا، فسيأمل الكثير ممن حولك، بوعي أو بغير وعي، أن تفشل! هم قلقون من أنك إذا جربت شيئًا طموحًا ثم نجحت، فسترتفع مكانتك. وفي بعض البلدان، لا يُعتبر ذلك مجرد فشل فردي ولكنه جزء من الثقافة الشعبية.
لن أدعي أن الناس في وادي السيليكون يتغلبون على هذه الدوافع لأنهم أفضل من الناحية الأخلاقية. السبب الذي يجعل الكثيرين -هناك- يأملون في أن تنجح، أنهم يأملون في الارتقاء معك. بالنسبة للمستثمرين هذا الحافز واضح بشكل خاص. يريدونك أن تنجح لأنهم يأملون أن تجعلهم أغنياء في هذه العملية. لكن يمكن للعديد من الأشخاص الآخرين الذين تقابلهم أن يأملوا في الاستفادة بطريقة ما من نجاحك. على الأقل سيكونون قادرين على القول، عندما تكون مشهورًا، أنهم عرفوك منذ زمن بعيد!
ولكن حتى إذا كان الموقف المشجع لوادي السيليكون معتمدًا على المصلحة الشخصية، فقد نما -بمرور الوقت- إلى نوع من الإحسان. مورس تشجيع الشركات الناشئة لفترة طويلة حتى أصبحت عادة. الآن يبدو أن هذا ما سيفعله المرء -دون شك- مع الشركات الناشئة.
ربما يكون وادي السيليكون شديد التفاؤل. وربما يسهل خداعه عبر المحتالين. يؤمن الكثير من الصحفيين الأقل تفاؤلاً بذلك. لكن قوائم المحتالين التي يستشهدون بها قصيرة بشكل مثير للريبة ومليئة بإجامات (asterisks). إذا كنت تستخدم الإيرادات كمقياس، فإن تفاؤل وادي السيليكون يبدو الأفضل على مستوى العالم. ولأنه يُجدي نفعًا.. فلا بدّ أن ينتشر.
الأفكار الجديدة أكثر بكثير من أفكار الشركات الناشئة الجديدة، بالطبع. الخوف من صنع شيء سيء يعيق الناس في كل مجال. لكن وادي السيليكون يُظهر مدى السرعة التي يمكن أن تتطور بها الجمارك لدعم الأفكار الجديدة. وهذا بدوره يثبت أن خصلة (رفض الأفكار الجديدة) ليست متجذرةً بعمق في الطبيعة البشرية بحيث لا يمكن تجاهلها/تجاوزها.
كيف تتفادئ حُكمك القاسي على عملك؟
هذه مشكلة صعبة، لأنك لا تريد التخلص تمامًا من رعبك من صنع شيء سيء. فهذا ما يوجهك نحو القيام بعمل جيد. وإنما ترغب فقط بتجاوزه مؤقتًا، بذات الطريقة التي يوقف بها (البندول) الألم مؤقتًا.
لقد اكتشف الناس بالفعل العديد من التقنيات التي تُجدي نفعًا. يذكر (جي. أتش. هاردي)، في كتابه A Mathematician’s Apology زوجًا من تلك التقنيات:
- العمل الرائع لا يؤديه “المتواضعون”. من أولى واجبات المُحاضر في أي موضوع، على سبيل المثال، المبالغة قليلاً في أهمية موضوع محاضرته ودوره البارز فيه.
- إذا بالغت في تقدير أهمية ما تعمل عليه، فسيعوضك ذلك عن حكمك القاسي -الخاطئ- على نتائجك الأولية. إذا نظرت إلى شيء يمثل 20% من الطريق إلى هدف بقيمة 100 وخلصت إلى أنه 10% من الطريق إلى هدف بقيمة 200، فإن تقديرك لقيمته المتوقعة صحيح على الرغم من أن كلا المكونين خاطئين.
كما أنه يساعد، كما يرى هاردي، على الإفراط في الثقة قليلاً. لقد لاحظت في العديد من المجالات أن أكثر الناس نجاحًا لديهم ثقة مفرطة بعض الشيء. في ظاهر الأمر يبدو هذا مستحيلًا. فمما لا شك فيه أن الأفضل امتلاكك تقديرًا صحيحًا تمامًا لقدرات المرء. كيف يمكن أن يكون الخطأ ميزة؟ لأن هذا الخطأ يعوض عن مصادر أخرى للخطأ في الجهة المقابلة: كونك مفرطًا قليلاً في الثقة يحميك من شكوك الآخرين وشكك الذاتي.
للتجاهل تأثير مماثل!
يسهل الوقوع في خطأ الحكم على العمل المبكر على أنه عمل منتهي إذا كنت متساهلاً بدرجة كافية في الحكم على العمل المنتهي. أشك في أنه من الممكن تنمية هذا النوع من الجهل، لكنه من الناحية التجريبية ميزة حقيقية، خاصة بالنسبة للشباب.
طريقة أخرى لتجاوز مرحلة الضعف من المشاريع الطموحة: أن تحيط نفسك بالأشخاص المناسبين، لخلق دوّامة في التوجه الاجتماعي المعاكس. لكن لا يكفي جمع الأشخاص الذين يشجعونك في كل خطوة. ستتعلم استبعاد ذلك من عقلك. وإنما تحتاج إلى من باستطاعتهم في الواقع التفريق بين الميؤوس منه وذاك الذي يحتاج بعض الوقت لتظهر نتائجه. وأكثرهم قدرة على فعل ذلك هم الذين يعملون على مشاريعهم المماثلة، وهذا هو السبب في أن أقسام الجامعات ومختبرات الأبحاث تقدمّ نتائج مبهرة. أنت لست بحاجة إلى مؤسسات لتجد زملاء. وإنما ستجتمع بهم تلقائيًا، إذا أتيحت لهم الفرصة. لكن الأمر يستحق تسريع هذه العملية من خلال البحث عن أشخاص آخرين يحاولون القيام بأشياء جديدة.
المدرسون هم -في الواقع- حالة خاصة من الزملاء. فوظيفة المعلم تقتضي أن يرى بوادر العمل المبكر فيشجعك على الاستمرار. لكن من يجيدون ذلك نادرون للأسف، لذا إذا أتيحت لك الفرصة للتعلم من أحدهم، فاستغلها.
بالنسبة للبعض، قد يكون الاتكال على الانضباط المطلق أمرًا مفيدًا: أن تخاطب نفسك بضرورة المضي قدمًا خلال مرحلة (الحماقة) الأولية وعدم الشعور بالإحباط. ولكن مثل الكثير من نصائح “أقنع نفسك فحسب”، فذاك أصعب مما يبدو. ويزداد الامر صعوبة مع تقدمك في السن، لأن معاييرك ترتفع. يتمتع الكبار بميزة تعويضية واحدة: لقد مروا بهذا من قبل.
يمكن أن يساعدك التركيز أقل على مكانك الحالي وأكثر على معدل التغيير. لن تقلق كثيرًا بشأن القيام بعمل سيء إذا كان بإمكانك رؤيته يتحسن. من البديهي أنه كلما تحسن بشكل أسرع، كان ذلك أسهل. لذلك عندما تبدأ مشروعًا جديدًا، من الجيد أن تقضي الكثير من الوقت فيه. هذه ميزة أخرى لكونك شابًا: تحظى بالمزيد من الوقت.
“هذه ليست لوحة.. هي مجرد خربشة!”
حيلة أخرى شائعة هي تنطلق باعتبار العمل الجديد من نوع مختلف وأقل تطلبًا. لبدء لوحة تقول أنها مجرد رسمة سريعة (سكيتش-Sketch)، وللعمل على جزء جديد من برنامج تقول أنه مجرد تطوير سريع. وبذا تحكم على نتائجك الأولية بمعايير أقل. بمجرد بدء المشروع، يمكنك تحويله إلى شيء آخر.
يسهل ذلك إذا كنت تستخدم وسيطًا يتيح لك العمل بسرعة ولا يتطلب الكثير من الالتزام مقدمًا. من الأسهل إقناع نفسك بأن لوحتك مجرد خربشات عندما ترسم في دفتر ملاحظات أكثر مما إن كنت تعمل على منحوتة. علاوة عن أنك ستحصل على النتائج الأولية أسرع.
ويسهل عليك أيضًا تجربة مشروع محفوف بالمخاطر إذا اعتبرته وسيلة للتعلم لا مجرد وسيلة لصنع شيء ما. وبذا، حتى لو كان المشروع فاشلاً حقًا، فستبقى رابحًا. إذا حُددت المشكلة بدقة كافية، فإن الفشل بحد ذاته هو معرفة، على سبيل المثال: إذا تبين أن النظرية التي تحاول إثباتها خاطئة، أو أنك تستخدم هيكلًا بحجم معين وفشل تحت الضغط، فقد تعلمت شيئًا، حتى لو لم يكن ذاته ما تريد تعلمه.
أحد المحفزات التي تُبلي معي بلاءً حسنًا: الفضول. أحب أن أجرب أشياء جديدة فقط لأرى كيف ستبدو. لقد بدأنا Y Combinator بهذه الروح، وكان فضولي دافعًا للاستمرارية أثناء عملي في Bel. بعد أن عملت لفترة طويلة مع نسخ مختلفة من لغة البرمجة Lisp، كنت أشعر بالفضول لمعرفة شكلها المتأصل: إلى ما ستؤول إذا اتبعت النهج البديهية طوال الطريق؟
لكن من الغريب قليلًا أن تمارس ألعابًا ذهنية مع نفسك لتجنب الإحباط بسبب الجهود المبكرة التي تبدو سيئة. الشيء الذي تحاول خداع نفسك لتصدقه هو الحقيقة. تعد النسخة المبكرة من مشروع طموح أكثر قيمة مما تبدو. لذلك قد يكون الحل النهائي هو تعليم نفسك ذلك.
إحدى طرق القيام بذلك هي دراسة تاريخ الأشخاص الذين قاموا بعمل رائع. بماذا كانوا يفكرون في بداياتهم؟ وما هو أول شيء فعلوه؟ قد يكون من الصعب أحيانًا الحصول على إجابة دقيقة لهذا السؤال، لأن الأشخاص غالبًا ما يكونون محرجين من عملهم بنسخته البسيطة ولا يبذلون سوى بعض الجهد لنشره. (هم يسيئون الحُكم عليه أيضًا) ولكن عندما تتمكن من الحصول على صورة دقيقة للخطوات الأولى التي قام بها شخص ما في طريقه إلى بعض الأعمال الرائعة، فغالبًا ما ستجده دميمًا.
ربما إذا درست عددًا كافيًا من هذه الحالات، يمكنك أن تعلم نفسك كيف تكون محاكمًا أفضل للمراحل الأولى من أي مشروع. بعد ذلك ستصبح محصنًا ضد شكوك الآخرين وخوفك من إنتاج عمل سيء. ببساطة..
من المدهش أن حل مشكلة الحكم على بدايات العمل المبكرة -بقسوة شديدة- هو إدراك أن مواقفنا تجاهه هي بدايات مبكرة في حدّ ذاتها. إن تثبيت كل شيء على نفس المعيار هو نسخة أولية #1. فنحن بالفعل نطور عادات أفضل، ويمكننا أن نرى علامات على ضخامة العائد بوضوح.
========
المصدر: Paul Graham – Early work
– عصمت!
– نعم.
– تعال إلى هنا واخبرني، ماذا ترى؟
– يا للعجب إنني أرى محتوى ترجمه طارق!
– أليس هذا رائعًا؟
– أتمازحني يا عصمت، إنه لمحتوى عظيم، لو أن طارق لا يحرمنا من مثل قطع المحتوى هذه.
– أوه نعم حتى أنا أتمنى ذلك يا عصمت، ولكن الزميل أحيانًا لا يبدو وكأنه بخير، ألا ترى ذلك أيها الأعمى عديم النفع؟
– تمهل يا عصمت، صحيح أني عديم النفع ولكني أرى جيدًا وأسمع وأقرأ ألاحظ وأنتبه وأتأمل، وأؤمن أن هذا الطارق عندما يترك كل شيء خلفه ويجلس على حاسوبه فإنه يبدع لنا ترجمات بنكهة مميزة، وللأمانة بساطة وتلقائية طارق وبعده عن التكلف في ترجماته هي جوهر ما يقدمه لنا.
– وأخيرًا يا عصمت اعترفت أنك عديم النفع، وبالمناسبة ما قلته عن طارق يبدو حقيقيًا أكثر من أي شيء قلته اليوم.
– بعض الهدوء رجاءً.. لا داعي لكل هذه الجلبة!
– ومَن أنت يا هذا؟!
– نعم، من أنت أيها الفضولي؟
– أنا طارق بشحمه ولحمه.
– حقًا؟ وما الدليل؟
– تغميّق الخط هذا!
– صحيح، وحده طارق يستطيع فعل ذلك.
– جيد أنكما اقتنعتما. والآن، لماذا تتشاجران؟ ألأنني مُقلّ في مقالاتي المترجمة؟ لكنكما تعرفان السبب حقًا! على أي حال، أنا الآن 😎طارق جديد😎، وستلمسان ذلك بنفسيكما.