أرغب بأن أكون ممتعًا، كأي شخص آخر تقريبًا. لكنني سئمت من مطاردة رغبتي تلك؛ فمن الواضح أنني أريد أن أكون ممتعًا للآخرين، لا لنفسي! لذا، بدلاً من إيجادي طرائق لأصبح أكثر إثارة للاهتمام، بدأت أتعلم تقبّل كوني مملًا في البداية.
ممل؟ كيف يمكنك تقبّل كونك شخصًا مملًا؟ كيف سيقودك ذلك لتصبح شخصًا ممتعًا بحق؟ ?
تلك إحدى “المشقّات” التي تمكنت من مواجهتها مؤخرًا بعد معاناتي من الأولويات (خلال الربع الأخير من العام الفائت). تشتّت نظرًا لاهتمامي ورغبتي بفعل عدّة أشياء في وقت واحد.. ولكن لم يكن ذلك ممكنًا.
أعتبر نفسي شخصًا يقوده الفضول ولكن جزءٌ مني ينجذب نحو أمور معينة فقط لأنها قد تجعلني أكثر إثارة للاهتمام. المثير للاهتمام مفهوم شخصي. وهو يعني -بالنسبة لي- أن أكون مُطلع كفاية لنقل أفكاري بوضوح والتعبير عن اهتماماتي، ما يستوجب قدرتي على المساهمة والمشاركة في مناقشات مختلفة حول اهتماماتي مع الآخرين، مثل إدارة المنتجات، واليقظة، والأفلام، والتغير المناخي، وغيرها من مواضيع.
نشأت ضمن بيئة لا تعترف بالمساحة الشخصية أو تتيح لي قضاء الوقت لاستكشاف الأشياء المثيرة للاهتمام وفهم سبب اهتمامها بي. زاد الطين بلّة كون التعليم المحلي كئيبًا؛ حيث تناول المواضيع بشُحّ. درست في مدرسة حكومية محلية في ماليزيا حيث ضُغِطت وحُصرت بزملائي الذين درسوا من أجل النتائج، لأن هذا كل ما يهتم به الجميع، بما في ذلك المدرسون والعائلة.
علَمنا المدّرسون طريقة الدراسة “الصحيحة” دون الاهتمام بالاستيعاب الدقيق للمفاهيم (لأنها كانت أسهل طريقة للحصول على درجات جيدة). أُحبطت أي محاولة لطرح الاسئلة على المعلمين لأنها بدت نوعًا من التمرّد، لذلك نادرًا ما يرفع الطلاب أيديهم. فلا عجب أن التعلم لم يكن مُبهجًا. قد يكون الأمر مختلفًا الآن، لكن هكذا أتذكر حال المدرسة في ذاك الوقت.
عندما وجدت نفسي محاطًا بزملائي “الأذكى” و “واسعو الإطلاع” في سنوات شبابي، كان وعيي الذاتي يتأذى!
في الواقع لم أكن أعرف الكثير عن معظم الأشياء، بما في ذلك الأحداث الحالية. شعرت بالحسد والخجل من مدى جهلي، مقارنة بالآخرين الذين أمضوا سنوات نشأتهم ضمن بيئة تعليمية وداعمة. عندما أرى أشخاصًا أكثر ذكاءً يخوضون مناقشات لست على دراية بمواضيعها، أشعر بـ “الفومو FOMO“. فأومئ برأسي وأتظاهر بأنني أفهم بينما أشعر بالحرج يتسلل داخلي؛ حيث لا أجد ما أُدلي به. ثم أنسحب -ببطء- لأنني أشعر بغربة عن البقية. وكأي شخص آخر، أردت فحسب أن أنتمي. لكن بما أنني لم أكن أعرف حتى إلى أين أريد أن أنتمي، كان أي مكان جيدًا طالما كانت المجموعة جزءًا من اهتماماتي.
بطريقة ما ظهر قرار “غير واعٍ” أنه لأنتمي إلى مكان ما، فلا بدّ أن أبدو أكثر إثارة للاهتمام وأن أُشعِر الآخرين -أيضًا- بأنني واحدٌ منهم. لذلك، سارعت إلى عرّفت بنفسي وجمعت [أيّ معلومات] مثيرة للاهتمام من شأنها أن تجعلني شخصأ يسعد الآخرون بصحبته، حتى أتمكن من التواصل وتكوين صداقات أكثر.
ومع ذلك، غالبًا ما كانت معرفتي بالموضوعات ضحلة؛ أعرف بعض الحقائق، ولكن -في كثير من الأحيان- لا شيء جوهري. وإنما يكفي بالكاد لإجراء محادثات قصيرة.
على سبيل المثال، قد أكون مهتمًا بالرواقية Stoicism، لكنني لن أستطع التعبير عن أفكاري حولها بما يكفي مقارنة بمن هم على دراية حقيقية بها. سيُشعرني ذلك بأنني “محتال” والخشية ألّا أكون أهلًا للانتماء بسبب قلة الآراء. في ذات الوقت، خِفت أن يضيع وقتي إذا تعمقت في موضوع ما، حيث كان بمقدوري -عوض ذلك- استغلاله لاكتساب معارف جديدة، وإلا فسأكون “عتيقًا ومملًا”. وإذا كنت مملًا، فلن يُعجب بيّ الآخرين. وإذا لم يحبني أحد، فسأغدو (لامنتميًا)!. كانت تلك آلية التفكير التي انتهجتها أثناء تدوين مخاوفي.
وتوصلت -كما اتضح- إلى كون السبب: الخوف من بعثي للسأم.
زوجتي تنتهج العكس. إذ عندما تخوض في موضوع ما، تراها تتأرجح -في التعلّم- بين المواضيع بغية الشعور بالرضا. ذاك يثير غيرتي نظرًا لافتقادي هذا المستوى من التركيز/الصبر لأنني أريد نتائج سريعة. وفي حين أنني أستمتع بالعملية (فعل الأشياء)، أريد -في الوقت ذاته- أن أكون مُسليًا في أسرع وقت ممكن. أدت الرغبة في رؤية نتائج سريعة عبر (الإطلاع فحسب) إلى تعثري لسنوات؛ فقدت التركيز والتعمّق لأنني قفزت من اهتمام إلى آخر دون عميق فهم: مجرد حقائق عشوائية بدون أي مضمون حقيقي.
لقد أدركت مؤخرًا..
أنه لأصبح مثيرًا للاهتمام حقًا، فأنا بحاجة للتغلب على الحاجز العقلي لكوني مملًا. أحتاج لتقبّل كوني مثيرًا للملل -لفترة من الوقت- حتى أتمكن من التركيز على عمق المواضيع.
لزامًا عليّ هنا شُكر Molly Mielke على تغريدتها:
لنكون ممتعين، يجب أولاً أن نرتاح لفكرة كوننا مملين. وهذا الجزء الأصعب بالنسبة لي؛ سأضطر إلى الخوض في عملية طويلة وشاقة من التعلّم المُتعمّق Deep learning، عوض اكتساب شذرات مختلفة من المعرفة (التي تعتبر مكاسب سهلة وسريعة).
أثناء كتابتي لهذا، أشعر “ببعض الحُزن” لأنني سعيت خلف الشعور بالانتماء لدرجة أنني ضحيت بمتعة التعلم لأكون أكثر إثارة للاهتمام للآخرين. اتضح أنني لست بحاجة إلى المعرفة لتكوين صداقات؛ أنا فقط بحاجة لإيجاد المجموعة التي يمكنني الاستمتاع معها. لم أعد بحاجة لإثارة إعجاب الآخرين كثيرًا.
ربما كنت أعرف هذا في أعماقي ولكني لم أجرؤ على الاعتراف به لأنه يتحدى طريقتي الحالية في التعلم. في البداية، شعرت بالقلق لأن الأمر قد يستغرق مني سنوات أخرى ما قد يضعني خلف أقراني مرة أخرى. ومع ذلك، فإن الكتابة والتأمل فيما سبق بمثابة تذكير بالأكثر أهمية: الاستكشاف المتعمق لسبب اهتمامي باهتماماتي. هذا ليس سهلًا، لكنني أشعر -شيئًا فشيئًا- بزوال ضغط أن أكون ممتعًا للآخرين واستبداله بشعور من الراحة. أنا الآن أتعلم وأتقبّل أن أكون مملاً من خلال تخصيص وقتي للتعلم المتعمق قبل أن أصبح ممتعًا لاحقًا.
ممدوح نجم (@bwdmmdwh1) Tweeted:
ثلاثة مدونون غيروا تفكيري خلال أسبوع 😍😍😍 https://t.co/m1nKtvButL https://twitter.com/bwdmmdwh1/status/1568160420829040641?s=20&t=xGhD2e2CB18sGgJuu5H9qw