يتعجب (آلان لوكوس – Allan Lokos) في هذا المقتطف من كتابه عبور اللهب – Through the Flames (الكتاب لمّا يُترجم) من سلسلة مشاعر اليأس والفرح ثم التشافي التي اختبرها مع زوجته، بعد أن نجا من حادث تحطم طائرة مروع.
تُعرف المعجزة اصطلاحًا بأنها: “ظاهرة لا يمكن تفسيرها بالقوانين العلمية أو الطبيعية، وبالتالي غالبًا ما تُنسب إلى كيان مقدّس”. على سبيل المثال، أشعر بالراحة لمجرد الوقوف بخشوع أمام ما هو مذهل للغاية.
وفي اللحظة التي أصيب فيها جسدي بجروح بالغة، بدأ يشفى. فإن لم تكن تلك معجزة، فأنا لا أعلم ما قد تكون الأخيرة!
الامتنان. يا له من مقويّ جميل وعلاجي. لكنه -مثل أي خبرة بشرية أخرى- ليس ثابتًا. ففي غضون يومين من الحادثة، دخلت في أكثر فترات حياتي تدميراً ويأسًا. لم أكن لأصدق أن شخصًا إيجابيًا وسعيدًا مثلي يمكن أن يشعر بالبؤس واليأس. بدت أعماق اليأس بلا حدود وأيامه أبدية.
في صباح أول أيام عودتي للمنزل، اعتليت الميزان وعلمت أنني فقدت 25 رطلًا (~11 كغ). كان ذلك -بلا شك- نتيجة شهرين دون طعام حقيقي أو ممارسة الرياضة، إضافة إلى الضرر الذي أحدثته الحروق الشديدة.
حظيت سابقًا بقوامٍ جيد أما الآن فأنا هزيل بجسدٍ ضعيف. بالنسبة لمن يجدون ذلك مُغريًا، فاسمحوا لي بتأكيد أنني لا أوصي بهذا النوع من الحميات الغذائية “المحطمة”. لحسن الحظ، ما زلت أستمتع بالطعام، لكن استعادة الوزن الذي فقدته بطريقة صحية لم يحدث بسرعة. استغرقت استعادة الأرطال العشر الأولى ثمانية أشهر، وما زال أمامي الكثير.
أدركت -منذ اليوم الأول- أن (التشافي) على رأس أولوياتي، مهما تطلب الأمر. وبصراحة أكبر، كان علي أن أضع مصلحتي أولاً. بدت تلك وجهة نظر غريبة وأنانية، وأود تصديق أنها ليست طريقتي المعتادة في التفكير، لكن الواقع كان صارمًا وواضحًا. فإذا لم أتعافى، ستغدو حياتي بائسة ولن أُفيد أي شخص.
عانت زوجتي، سوزانا Susanna، من ألم شديد ناجم عن كسر في فقراتها. كان يجب عليها اتباع نفس نهجي في شفائها، لكن عجزي عن تلبية احتياجاتي اليومية الأساسية عنى أنها اضطراره لموازنة احتياجات كلينا.
كانت قادرة على الحركة، وباستثناء حمل الأشياء الثقيلة أو الإنحناء، تمكنت من عيش حياة طبيعية إلى حد ما، وإن كانت دعامة ثقيلة ومقيدة من الرقبة إلى الخصر تعيقها (توجّب عليها ارتداؤها طيلة اليوم).
كنت صاحب أكثر الإصابات الجسدية خطورة، ومثّل التعافي تحديًا على كافة المستويات (الجسدية والنفسية والعاطفية). عرفت ذلك، لكن لم يكن عندي فكرة عن مدى روعة الرحلة الفعلية.
تحدي التشافي الحقيقي
هو التحدي الأكبر الذي واجهه أي منا على الإطلاق، وكان من شأنه إثقال كاهل كلينا. رغبت في الاستلقاء طوال اليوم، ليس بسبب الإرهاق، رغم أن له دورًا بالتأكيد، ولكن بسبب ما يُعرف باسم “استجابة الثبات – Freeze mechanism”. جميعنا يعلم أن ثمّة أوقات تكون فيها خياراتنا هي القتال أو الهرب (أو ما يُعرف بـ استجابة الكرّ أو الفرّ/ The fight-or-flight response). وفي أحايين أخرى نجد أنفسنا (جامدين) وتلك هي استجابة الثبات.
ولم يكن هناك شيء أو شخص لأحاربه، باستنثاء نفسي.
لم يكن ثمّة مكان لأفرّ إليه. كان الخيار الوحيد المتبقي هو (الثبات)، وذاك ما فعلته عبر الالتجاء إلى الفراش كثيرًا، راجيًا النوم. فعلت ذلك لمدة شهرين تقريبًا، ثم توقفت. لم يكن التوقف قرارًا اتخذته. وإنما كنت على استعداد للمضي قدمًا فحسب.
لم أعرف آنذاك مدى اقترابي من الموت. كنت لأتفكّر في ذلك لاحقًا. لذا، ولأكون صادقًا، لم أكن ممتلئًا بالامتنان. ورغم أنني تمكنت -في لحظة عرضية- من الشعور بمتع الحياة البسيطة، إلا أن أيامي كانت مشحونة بالألم والرهبة والخوف والقلق والرغبة المستمرة في استعادة حياتي.
شعرت وكأنني بلا حياة. تفكرت، وقلتها كثيرًا، “أريد استعادة حياتي”. بدا وكأن لا شيء يمكنني فعله لنفسي، وأدت كل محاولة لتغيير ذلك للمزيد من الألم والمعاناة. كانت يدي عديمة الفائدة، لم أستطع حمل شوكة أو فرشاة أسنان. أو الاغتسال وارتداء الملابس. يئست وبدت الحياة بلا معنى.
يمكننا ضمان المعاناة لأنفسنا عندما نتشبث بالرغبة في كون الأشياء مختلفة عما هي عليه. يمكننا تعريف المعاناة عمليًا بالقول إنها “التشبّث بتلك الرغبة”. الأشياء ليست مختلفة عما هي عليه. فهي كماهيّتها. والرغبة في تبدّل الأحوال لا تُشبه التصميم على إحداث ذاك التبدّل وبذل الجهد في سبيل ذلك.
عرفت -عبر سنوات من ممارسة الاستبطان Introspective– أن ما أختبره كان أفكارًا ومشاعر، وأن -تلك الأفكار والمشاعر- كانت قوية، وأحيانًا بشكلٍ ساحق. وكثيرًا ما استيقظت على اعتقاد (أو) أمل أنه كان مجرد حلم، وأنني عدت إلى حياتي الحقيقية. ثم أقف على ساقاي غير المستقرتين أو أحاول استخدام يداي المتضررتين وأدرك أن هذا لم يكن حلمًا، ربما كابوسًا، لكنه -في الواقع- ليس منامًا. وإنما حياتي.
ذات يوم، وفي لحظة يأس عميق، قالت سوزانا “الآن أستطيع رؤية أن هناك أشياء أسوأ من الموت. لقد ولّت حياتي الجميلة، فهذه الحياة مروعة. ليتنا متنا في الحادث”.
تفهمت ما شعرت به (رغم أنني لم أصل مطلقًا للحظة تمنيّ لو مُتّ).
كانت هذه أكثر فترات حياتي حزنًا وكآبة. إذ بدا ألا طريق للخروج من الكآبة. وربما كان هذا أسوأ ما في الأمر؛ الشعور بعدم وجود مخرج.
في الماضي، عندما مررت بأوقاتٍ صعبة، كنت قادرًا على إيجاد حل دومًا. لكن هذا مختلفٌ تمامًا. لقد أصبت بجروح خطيرة، وكنت أعيش مع العواقب. شعرت بالضعف والانكسار. كانت رؤيتي واسعة ومتفائلة عادة، وإذ بها تضيق فأعجز عن رؤية صورة أشمل. عشت برفقة سوزانا مع الألم الجسدي ومعاناة مشاهدة آلام بعضنا البعض. كانت تتألم وتذوي، ونادراً ما وجدت طريقة لمساعدة أي منّا. في كثير من الأحيان، كان أفضل ما استطعت قوله، في نهاية اليوم: “حسنًا، لقد نجونا ليوم آخر.” لم تبدو تلك إيجابيةً مني، ولكن في ظروف معينة، تعتبر النجاة انتصارًا.
بدا من الغريب أن تكون مثيرًا للأسى، وفي ذات الوقت، محظوظًا جدًا. شكّل وجودي على قيد الحياة وأن سوزانا كانت لا تزال قادرة على المشي معجزة في نظري. كان بمقدور جزء من الثانية، أو سنتيمتر واحد، أن يؤدي إلى نتيجة كارثية. أخبرنا أطبائنا أن إمكانية الشفاء، رغم بُعدها، موجودة، وقد أحدث ذلك فرقًا هائلاً.
اللحظة التي لن أنساها
منذ وقوع الحادث، ركزت على التشافي. وفي صباح يوم 14 نيسنا (أبريل)، عندما عدت للتدريس -بناءً على اقتراح من العديد من أعضاء مجلس إدارة CMC- في مركز التأمل المجتمعي، المنزل الروحي الذي أسسته عام 2008. دخلت المبنى من خلال باب جانبي لأضمن ألا يُحيطني الجمع. ولكن عندما قُدمت، سرت بسلاسة ونشاط إلى مقدمة الغرفة، ثم قفزت على المنصة، ليستقبلني الحشد الهائل بالوقوف، والهتاف، والحفاوة الشديدة. وكلما هتفوا أكثر، سالت دموعي. كانت لحظة لا توصف!
نحن معجبون بالناجين. وبحاجة إلى ناجين ممن تغلبوا على الصعاب. وكلما تغلبوا على مصاعب أكبر، أردنا رؤيتهم أكثر ولمسهم وسماع قصصهم. نحتاج لمعرفة قدراتنا الحقيقية. هذا ما كنت عليه في ذلك اليوم وبعده. لقد فعلتها و.. نجوت.
المصدر: After the Plane Crash
إن كنت تسعى لحياةٍ مختلفة، فهذه التدوينات ستساعدك:
? كونك شخص رائع يحدده أسوء أيامك!
? هل بمقدورنا محاسبة الآخرين على مشاعرنا؟
? (دورة) التشافي الذاتي – نوف حكيم