أحبّ هذا الرجل في الله! وأتمنى لو كنت أحد أثرياء قُريش فأُهديه الطاولة الخاصة للحاسوب التي يحلم بها.
نشر العزيز طارق ناصر والمُلقب بـ (طارق الأول) دليله الشخصي للإنتاجية، فوجدتها فرصة مناسبة لأتحدث في الموضوع.
الإنتاجية ≠ المال
عنوان غريب، سأحاول طرد الغرابة عنه.
لا أعتبر نفسي منتجًا! كنت كذلك قبل أن أقع في مصيدة المسؤوليات، وتحديدًا.. عندما كنت أدّون لمتعتي الشخصية (2009). في ذلك الوقت، كنت أعتني بالتدوينة لأبعد حدّ؛ فأحرص على تهيئتها لمحركات البحث، وأختار موضوعاتٍ مشوقة. اليوم، أنا أبحث عن المواضيع التي تجلب مالًا أكثر.
ما الإنتاجية؟ هل تُراها تتعلق بالكمّ أم بالكيف؟
في كلتا الحالتين، سيشّل سعيك لتحقيق الدخل حركتك، فتجد نفسك وقد نشرت مواضيع “أقل” وبجودة “مقبولة“
كيف اكتشفت ذلك؟ بعد أن تخليت عن وظيفتي السابقة، وجدت أن بمقدوري العمل على موضوعات صعبة دون أن أقلق.. والأهم، دون أن أصل للاحتراق الوظيفي.
أقول هذا لأن البعض يجد من يقرأ 100 كتاب خلال عام، أو ينشر بشكل يومي، أو.. فيشعر بالإحباط ويقول: أنا شخص غير منتج.
لا يا عزيزي، أنت فقط لا تُحب هذه النشاطات، فمن الطبيعي إذًا ألا تكون منجزًا فيها.
قد يقول البعض:
وسؤالي هنا: لماذا يجب ان تكون “مهما كلفه الامر” جزءًا من المعادلة؟ لماذا لا يعمل الإنسان فيما يُحبه، وقتما شاء؟
اتسائل وأنا أشعر بالإجهاد من العمل الوحيد الذي أُحبّه فعلًا: الكتابة.
في سبيل الكتابة، يا سادة، وقفت في وجه الجميع. بدءًا من والدي الذي لمح كتاب (فن الكتابة: أنواعها – مهاراتها – أصول تعليمها/ د.عبد اللطيف الصوفي) قبل نحو 10 أعوام، فأستنكر قائلًا: وهل تعتقد أن الكتابة ستُطعمك خبزًا؟
مرورًا بصديقي الذي تَمَعَّرَ وجهه حين شاهدني أدّون مشاهداتي على كُرسي الجامعة، وليس انتهاءً بحَماي (والد زوجتي) الذي أعتراه القلق على مستقبل ابنته حين علم منها نيّتي الاستقالة من وظيفتي الثابتة ذات الأجر المرتفع.. سعيًا خلف أحلامي “الوردية”.
أشعر بالإجهاد، لأن الكتابة تستهلك كل ذرّة من طاقتي، لأنني لم أنم منذ أسبوع أكثر من 4 ساعات في اليوم.
أشعر بالإجهاد، لأن نتائج الكتابة والتدوين لا تظهر إلا بعد حين.
أشعر بالإجهاد، لدرجة أن فكرة الانتحار -وأنا لا أشتكي أو استجدِ العطف بالمناسبة- تبدو منطقية يومًا إثر يوم.
الإنتاجية ≠ المهام (ج: مهمة)
هل تعرف ما اسم هذا الكائن؟
يُدعى: تنين ألسنة التبويب المتعددة للمقالات التي “يجب” عليّ العمل عليها!
قد تجد من يرى مهارة (تعدد المهام) ركيزة أساسية لزيادة الإنتاجية، وآخر يؤمن بالعكس. بالنسبة ليّ، أعاني من مشكلة مختلفة.
أجيد العمل على المهمة الواحدة، فأنسى كوب الشاي حتى يبرد، وقد أنسى متى أكلت آخر مرة، لكن يبقى في ذهني تلك المقالات، والتي كلما ضبطت أبعاد نافذة المتصفح (لأعاين النصّ كاملًا)، لمحت بعض كلمات من تلك المقالات.
يحدث ذلك حين أتصفح الفهرست، فأجد تدوينات تستحق القراءة، ولألّا أقع في مصيدة (إشارات مرجعية – Bookmarks) ونسيانها هناك.. حتى تتكدس. أفتحها في ألسنة تبويب جديدة.. لتتكدس في النهاية!?♂️
ينطبق ذات الأمر على المقالات التي أودّ ترجمتها، أو الإشارة لها كمصدر لتدويناتي وهلّم جرا..
وجودها هناك يعني وجودها في عقلي اللاواعي، وتذكيره دائمًا بضرورة إنهاء المهمة الحالية عاجلًا للانتقال إلى مهمة جديدة. ظاهريًا، أنا أعمل على مقالة.. لكن داخل عقلي، فأنا أعمل على 32435465 مقالة في آنٍ معًا.
وجدت الحل في وضع تلك الروابط ضمن لوحة خاصة على تريلو
الإنتاجية ≠ الظروف المناسبة
تعود أصول هذه الأسطورة إلى أيام الدراسة، حين كنّا نؤمن أن الدراسة تتطلب وجود جوّ دراسي؛ فنبدأ بالوجبة الخفيفة (لألّا يُقاطعنا الجوع)، ثم كوب من مشروبنا المفضل (لتعديل المزاج)، وبعدها لا نمانع من أخذ قيلولة (يُفترض أن ننهض على إثرها بكامل نشاطنا).. وهكذا، تضيع الساعات دون إنجاز شيء!
[حدث ذلك معي!]
والآن، أتوجه بحديثي لصنّاع المحتوى المكتوب على وجه الخصوص: كم مرة أجّلت الكتابة بسبب الضوضاء حولك؟
لطالما آمنت بما يُسمى (طقوس الكتابة)
المثير للدهشة الشديدة هنا، أن “جميع” التدوينات التي لاقت استحسانًا عاليًا، كتبتها وسط ظروف سيئة: فوضى داخلية/خارجية – ضيق في النفس (أو) في الوقت.. ولم أكن هذا حالي وحدي، فأغلب الظن أنك سمعت بقصة تأليف دوستويفسكي -الروائي الروسي الشهير- روايته “المقامر”
وافق فيودور دوستويفسكي بعد ذلك على عقد يحمل مجازفة مع ف. ت. ستيلوفسكي بأنه إذا لم يسلم رواية مؤلفة من 12 توقيعًا أو أكثر بحلول 1 نوفمبر 1866، فسيحصل ستيلوفسكي على حق نشر أعمال دوستوفسكي لمدة تسع سنوات، حتى 1 نوفمبر 1875، دون أي تعويض للكاتب. كتب فيودور بعض من أجزاء قصته، ثم أملاها على واحدة من أوائل مصممي الأزياء في روسيا وزوجته القادمة، آنا غريغورفنا، التي كتبتها، ونسختها بدقة من أجله. وتمكن بمساعدتها من إنهاء الكتاب في الوقت المناسب.[المصدر]
أتعلمون؟ لا شيء يفوق متعة أن يُعبّر كاتب ما عمّا يجول في خاطرك: الكتابة الإبداعية بين الرمنسة والواقع اليومي المعاش
نعاني -في سوريا- من مشاكل عدّة تتعلق بالخدمات الأساسية: انقطاع التيار الكهربائي، خدمة انترنت متذبذبة أو مقطوعة، طوابير شراء السلع الأساسية كالخُبز وغيره (والتي يستهلك الوقوف فيها ساعاتٍ طوال).
إن كنت سأنتظر (الظروف المناسبة)، فذاك يعني اضطراري لانتظار غودو! لذا، أركزّ طاقتي النفسية والجسدية على استغلال كل دقيقة، بغض النظر عن صوت الأطفال في الخلفية، أو “صراخ” التلفاز في الشقة المجاورة.
نفدت بطارية حاسوبي؟ سأعمل من هاتفي الذكي.
نفدت بطاريته هو الآخر؟ سأتلقف ورقةً وقلمًا واستكمل العمل على روايتي.
نفدت طاقتي شخصيًا؟ سأستلقي أرضًا وأفكرّ في أحاديث سمعتها في الطوابير.
الإنسان كائن يسعى للكمال، لذا اختلق فكرة (الحياة الوردية والظروف المثالية والتنانين الأسطورية)
لكن ذلك لا يعني وجود ثلاثتها!