هل حقًا لا جديد تحت شمس الذكاء الصُنعي؟

لا جديد تحت شمس الذكاء الصُنعي

اليوم، ربما يُنتج الذكاء الصُنعي مخرجات دون نتائج ملموسة، إنما سيتغير هذا أسرع مما تظن. وحينها، لن يكون (الإنجاز) عائقًا، وإنما معرفة ما يستحق الإنجاز أصلًا.

يمكن لأي شخص كتابة محثّ “Prompt” في نافذة وجعل الذكاء الصُنعي يُخرِج شيئًا ما. فهل لذلك قيمة؟ لتقريّب الإجابة تخيّل قول أحدهم: “أعرف كيفية إرسال رسالة واتسآب”

بالضبط!


يستطيع الآن أي أحمق إنتاج محتوى غثّ لا نهائي، صحيح؟ في المقابل، يفهّم الشخص الذكي -مثلك- ما يمكن للذكاء الصُنعي فعله وما يعجز عنه؛ فيُطلق العنان لقدراته (هو) لم تكن متوفرة من قبل.

فإذا كنت ترغب في إطلاق قدراتك الخفيّة، فعليك فهم الخرافات والحقائق حول إمكانيات الذكاء الصُنعي.


الخرافة: يسهّل الذكاء الصُنعي أي عمل

الحقيقة؟ يسهّل الذكاء الصُنعي إنجاز المهام فعلًا، ولكنه -بهذا- يكشف التحدي الحقيقي فحسب: معرفة ما يستحق الإنجاز أصلًا.

يغيب عن أغلبنا أن لمخرجات الذكاء الصُنعي مستويات تقديرية، تمامًا كما لقراراتنا الإنسانية عواقب. يمكننا فهم ذلك ضمن سياق أكثر مهمَتين يُستخدم فيهما الذكاء الصُنعي يوميًا: البرمجة والكتابة.

البرمجة باستخدام الذكاء الصُنعي

  • مخرجات على المستوى الأوليّ: استخدام سطحي، حيث يكتب مساعد البرمجة النص البرمجي، ويستخدمه الشخص كما هو. وهو ما يكتفي به 95% من المستخدمين.
  • مخرجات على المستوى الثانوي: فهم آليات العمل، حيث يتسائل المستخدم عن كيفية وأسباب عمل النص البرمجي. يُوسّع هذا الاستخدام مدارك المُستخدم، ويُحوّل علاقته بالذكاء الصُنعي من علاقة أحادية الطرف إلى علاقة تعاونية.
  • المخرجات من المستوى العميق: بناء أنظمة قابلة لإعادة الاستخدام. حيث يتعرف المستخدم على الأنماط عبر التفاعلات المتعددة ويبني أطر عمل دائمة تسهّل جميع الأعمال المستقبلية.

الكتابة باستخدام الذكاء الصُنعي

  • مخرجات على المستوى الأوليّ: تطلب –أنت– من الذكاء الصُنعي كتابة تدوينة ونشرها كما هي. والنتيجة؟ محتوى عام، يشابه محتوى الآخرين المكتوب بالذكاء الصُنعي، والأهم: لم تتعلم شيئًا.
  • مخرجات على المستوى الثانوي: يساعدك الذكاء الصُنعي في الكتابة (تقدّم له أفكار أولية وتتركه لينظمها في مقالة، ثم تعدّل المخرجات بما يتناسب مع أسلوبك)، أي أنكما تتعاونان فحسب. وفي المحصلة، تفهم لمَ تتفوق بعض التركيب على غيرها.
  • المخرجات من المستوى العميق: تُنشئ ملفات نماذج عقلية “Mental Models” مبنية على أطر عمل من كتب التي قرأتها (مفاهيم الإنتاجية، ومبادئ التسويق، وهياكل السرد القصصي)، وعند إنشاء المحتوى، يُحيل الذكاء الصُنعي هذه الأطر تلقائيًا. والنتيجة؟ يتطور نظام كتابتك؛ فيُحسّن كل إطار عمل جديد تُضيفه جميع محتواك المستقبلي. وبذا، لا تكتب أسرع فحسب، بل تُنشئ أساسات تُحسّن تفكيرك.
من الجليّ أن الذين يعملون على المستوى الثالث (العميق) يُبدعون قيمةً لا يستطيع الآخرون محاكاتها. فهم لا يستخدمون محثّات أفضل فحسب، بل يبنون أنظمةً تتراكم مع مرور الوقت. لكن العمل على هذا المستوى يتطلب منك معرفةً حقيقية. وإليك كيف تكتسبها.

الأسطورة: يمتلك الذكاء الصُنعي جميع الإجابات

الحقيقة: الذكاء الصُنعي مجرد مُضخِّم “Amplifier”. أي الأسئلة السيئة تُؤدّي إلى نتائج سيئة إنما أسرع.

“علّمنا” نظامنا التعليمي السعي خلف الإجابات الصحيحة. لكن في عالمٍ تُتاح فيه الإجابات مجانًا، تُعدّ تلك مهارة زائفة، أما المهارة الحقيقية فهي معرفة الأسئلة الجديرة بالطرح، وهذا يتطلب سياقًا.

كيف تبني سياقًا؟ عبر اكتساب المعرفة قطعًا؛ فكلما اتسع نطاق معرفتك في مختلف المجالات، أصبحت أسئلتك أفضل. في المقابل، إذا لم تقرأ كتابًا يشرح مفهومًا معينًا، فستعجزّ عن حثّ شات (GPT) بعبارة على غرار “ابنِ لي إطارًا بناءً على مفهوم معين”، وستكتفي بـ “امنحني إجابة”، ما يدفعك نحو التفكير الانفعالي البحت.

عندما تكتسب معرفة جديدة، تُطوّر القدرة على تجميع المعلومات من مصادرها، فترى روابط لا يراها الذكاء الصُنعي. تذكر: يستجيب الذكاء الصُنعي لمدخلاتك فحسب، وتُحدد جودة مدخلاتك كل ما يليها.

وطبعًا لا نعني بذلك جمع الملاحظات أو تفريغ المعلومات المهمة في قاعدة معرفية، وإنما هيكلة تلك المعرفة بشكل يُتيح للذكاء الصُنعي استخدامها بفعالية. وكأي قاعدة في العالم: تحتاج قاعدة معرفتك إلى بُنية -هيكل وتنظيم دائمين- لا مجرد حجم.

لنفترض أنك زهدت بالسعي خلف اكتساب معلومات جديدة. حينها، ستكتفي بـ “بيانات تدريب الذكاء الصُنعي”، صحيح؟ لكن حتى لو قرأ الذكاء الصُنعي جميع الكتب على الإنترنت، فإنه لم يقرأها من منظورك. والنتيجة؟ ستحصل على نتائج عامة تفتقد شيئًا فريدًا: منظورك، أو تحليلك، أو قاعدة معرفتك المُختارة.


الأسطورة: يمنحك الذكاء الصُنعي قوة تأثير

الحقيقة: يمنحها الذكاء الصُنعي للجميع! ما يميزك -حقًا- كيفية إدارتها.

جميع أدوات الذكاء الصُنعي (كلود – شات جي بي تي – جيميني) مجانية أو برسوم بسيطة، والجميع يمتلك ذات الأدوات والإمكانيات، فكيف -بالله عليك- سيتطور أحدنا؟!

الإجابة بسيطة: بمعرفة الربط بين قدرات الذكاء الصُنعي والنتائج التي تحاول تحقيقها عبر ما أسميه “المزامنة Orchestration

نقصد بالمزامنة تصميم أنظمة تُنفَّذ تلقائيًا، عوض الاكتفاء بأتمتة مهام فردية. كل مهمة عمل معرفي تتضمن أشخاصًا وعمليات ومعلومات وأدوات. ويكمن الاستغلال الأمثل في فهم كيفية تدفق المعلومات (من المهمة إلى الأداة إلى العملية إلى النتيجة). ولا يفكر معظمنا في تدفق المعلومات إطلاقًا، وإنما يقفون عند تفاعلات الذكاء الصُنعي الفردية.

ولكن عندما تفهم كيفية انتقال المعلومات بين الأنظمة، وكيفية ترابط المهام، وما يتفوق فيه الذكاء الصُنعي مقارنةً بما تتفوق فيه الأدوات الأخرى، حينها ستُحقق نتائج هائلة.

لا ترتبط المهارة باستخدام الذكاء الصُنعي، بل بتصميم سير العمل. تلك الميزة التي قد لا يمتلكها كل شخص آخر (رغم امتلاكه ذات الأدوات).


الأسطورة: سيحل الذكاء الصُنعي محل الموظفين

الحقيقة: بل سيستبدل (المهام)، بحيث يعزز قيمة مَن يُزامنون النتائج.

ما يفعله الذكاء الصُنعي -حقًا- هو التفريق بين مُبتكر القيمة الحقيقية ومَن سواه. فإذا أمكَن اختزال كامل دورك في قائمة مهام ينفذّها الذكاء الصُنعي، فمكانتك مُهددة (بصرف النظر عن مدى كفاءتك في إنجاز تلك المهام).

الناجحون اليوم هم من يُصمّمون أنظمةً تُحقّق نتائج قيّمة، لا الذين يُنفّذون معظم المهام!

نحن بحاجة إلى الانتقال من أتمتة المهام إلى مزامنة النتائج، أي تصميم سير عمل يُنتج نتائج تلقائيًا، وهذا يتطلب حكمًا بشريًا، وتوليفًا، وتفكيرًا منهجيًا لا يُطيقه الذكاء الصُنعي.

إذا كنت مذعورًا من استيلاء الذكاء الصُنعي على وظيفتك، فاسأل نفسك: ما الذي يمكنني فعله ولا يستطيعه المذكور؟ ثم عزّز هذه القدرات.
استخدم الذكاء الصُنعي لتعويض نقاط ضعفك. ولا تنافسه على التنفيذ؛ ستخسر. في المقابل، تحتاج كل معركة إلى (قائد) أي شخص يقرر أحدهم النتائج التي تستحق السعي وراءها. وتلك وظيفة لن تُؤتمت.


إذا ظننت أن تدوينة اليوم متعلقة بأدوات الذكاء الصُنعي، فيؤسفني القول أنك مخطئ؛ إذ أردت الحديث حول اقتصاديات العمل، والميزة التنافسية، ولمَ ستُحدد الأشهر الـ 12 القادمة من يُدرك أهمية الأخيرة ومن لا يُدركها.

لكنني لا أُريد الإثقال عليك، لذا لنتعمق في هذه المسائل في التدوينة القادمة. اتفقنا؟

هل حقًا لا جديد تحت شمس الذكاء الصُنعي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تمرير للأعلى