وصلتني مؤخرًا رسالة من صديق المدونة (طلب ألّا أذكر اسمه)، طالبًا فيها نصيحتي.
ورغم أنني لا أجد نفسي أهلًا للنصح، لكن هذه الرسالة -بالذات- لمستني بشكلٍ ما، فوجدت نفسي أصوغ الإجابة التي تجدونها أدناه.
قراءة ممتعة ❤️
مرحبًا،
نجوت مؤخرًا مما يدعوه البعض “أزمة هوية”، لكن ذلك تطلب منيّ دفع الثمن. بدأت قصتي حين انخرطت في الجامعة على أمل الحصول على وظيفة “مستقرة” وحياة كريمة، أو على الأقل هذا ما أخبرني به والداي.
ومع ذلك، خلال الفصل الأخير الذي يسبق تخرّجي، اتخذت قرارًا بالانسحاب لأنني أدركت كم كنت تعيسًا لمحاولتي الدخول في مجال لا أمتلك شغفًا نحوه. في الحقيقة، لست نادمًا على هذا وأنا مرتاح لأنني اتخذت القرار بنفسي. لكن للأسف، أوصلني قراري لسلسلة من النزاعات بيني وبين والديّ. فهم يؤمنون أنني بعدم استكمالي للتعليم الجامعي، أتخلى عن فرصة عمل دائم بدوام كامل ولن أكون أبدًا مستقرًا ماليًا ما لم أعود إلى الدراسة.
أعمل حاليًا في وظيفتين بدوام جزئي -أستمتع بهما حقًا- وبدخل شهري يعادل 1500$ ولكني أشعر بأنني مضغوط ماليًا، خاصةً في ظل التزاماتي بالمساهمة في دفع مصاريف عائلتي.
دعني أخبرك أنني ملتزم ببرامج تنموية لإعادة اكتشاف ذاتي، إضافة لمتابعة مستجدات عملي، وتوفير المال، وما إلى ذلك على أمل أن أكتشف ذات يوم هدفي في الحياة.
في ذات الوقت، أشعر بالحزن لإصرار أهلي على وضع (خطة لحياتي الشخصية) والتي تتضمن: الدراسة، كسب المال لدعم الأسرة، الزواج .. إلخ.
أنا في (22) من عمري، وأرغب في السفر حول العالم وخوض المزيد من التجارب، لقد سئمت من صورة الابن المطيع الذي كنته في السابق. ولكن ما الذي يمكنني فعله حيال سلوك والدي؟سبق أن أخبرتهم -عدة مرات- عن خططي ورؤيتي الخاصة، لكنهم دائمًا ما يتجاهلونني!
ما هي نصيحتك حيال التعامل مع الآباء والأمهات الذين يقفون في وجه أحلامك وطموحاتك؟
مرحبا بك عزيزي، ?
لا يمكنني إلا أن أتعاطف معك. فما تمر به هو شيء يواجهه الكثيرون في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، وليس فقط في مثل سنّك. ربما نكون حينها قد تحررنا من القيود المفروضة علينا من آبائنا، لكن هذا التضييق قد يأتي من الآخرين، مثل الزوج غير المتفهم والأصدقاء التقليديين. وإن كنّا قادرين على قطع علاقتنا مع الأصدقاء السلبيين، لكن قطع العلاقات الأسرية ليس منطقيًا إطلاقًا. في حين أننا جميعًا نحب آبائنا، فلهو أمر محبط للغاية عندما لا يدعم أقاربك أحلامك.
عندما أخبرت والديّ بأنني سأستقيل من عملي كمحاسب لانطلق في عالم العمل الحرّ، اعترضا بشدة: “لن تحقق أي دخل، لو كان العمل الحرّ يُحقق دخلًا يكفي متطلبات الحياة، لاستقال الجميع من وظائفهم!”
عليّ الاعتراف هنا: آلمني موقفهم ذاك، خاصةً وهما يعلمان تمامًا أنني أكره العمل تحت إمرة مدير (مهما كان لطيفًا). ومع ذلك، قلت لهم: سأجّرب حظي لمدة عام، فإن لم أفلح.. أعدكما بأن أنسى الأمر برمته!
أخبرتهما أنني أتفهم مخاوفهم المتعلقة بالاستقرار المالي، والتي كنت قد أخذتها بعين الاعتبار في خطة انتقالي للعمل الحرّ.
كان ذلك مطلع عام 2017، بعد 9 أشهر تقريبًا، توقف والدي عن محاولة إقناعي بالعدول عن قراري، لم يكن مقتنعًا بما أحققه، لكنه استسلم أمام إصراري (والبسمة التي لم تفارق وجهي بعملي فيما أُحب).
والآن بعد مرور قرابة العامين، أصبح يُشارك نتائج فوزي في المسابقات على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي!
بالمناسبة، عرض عليّ والدي طباعة روايتي (سياحة إجبارية) على نفقته الشخصية، لكنني اكتشفت أن نشرها وبيعها إلكترونيًا أفضل بكثير.
إذن ماذا تفعل عندما لا يدعم والداك أهدافك أو رؤيتك في الحياة؟إليك بعض النصائح التي ستفيدك في هذه الحالة
افهم مخاوفهما
على الرغم من أن أهلنا قد يبدون وكأنهم يحاولون إحباطنا، إلا أنهم غالبًا ما يمتلكون وجهة نظر تستحق الاحترام.
على سبيل المثال، لنفترض أن والديك يعترضان على اختيارك الوظيفي. حاول أن تفهم السبب.
اسأل نفسك: لماذا يعترضون على مساري المهني الجديد؟
لأنهم يشعرون أنك لن تكسب دخلاً جيدًا ومستقرًا.
وهل هذا أمرٌ مهم؟!
لنكن واقعيين، استقرار الدخل مهم في الحياة.
لماذا؟
لأن معظم الأمور في الحياة (خيارات السكن، أسلوب الحياة اليومية، وخيارات الحياة بشكلٍ عام) تعتمد على المال، على الأقل في عالمنا الحالي.
من المحتمل أن يكون والداك قد عانيا -في بداية حياتهما معًا- من بعض المشاكل المالية، مما يجعلهما يقاومان خيارك حيثن يريان أنه سيوصلك إلى طريق مسدود.
مثال آخر: لنفترض أن والديك يتمنان رؤيتك تعمل كمحاسب، أو مهندس، ويعارضان أي خيار آخر لدراستك الجامعية! لماذا؟ لأنهم يشعران أن هذه المهن سوف توفر لك الاستقرار المالي.
لكن هل هذا صحيح؟
ربما.. ليست هناك قاعدة تحكم الأمر، لكن أعتقد أنهما يفكران بهذه الطريقة بناءً على ما سمعاه من الآباء الآخرين. هذه العقلية شائعة جدًا بين الآباء في وطننا العربي.
لكن تذكر، هذا لا يعني أن الأعمال المصرفية/ الهندسة/ المحاسبة هي الوظائف الوحيدة المستقرة مالياً، أو أن كل شخص في هذه الوظائف مستقر ماليًا، لكنها المهن التي يربطها آبائنا -في أذهانهم- بالاستقرار المالي.
بالطبع، يُغفل العديد من الآباء الوجه الآخر من الصورة: العمل أكثر من مجرد مال، ولكنه يتطلب اهتمامك أيضًا. قد يعتقدون أنه لا يمكنك تحقيق دخل جيدة من خلال مسار حياتك المهنية الحالي، ولكن ربما يكونون مخطئين (هذا مرهون باجتهادك).
تحدّث معهما
أعلم أنك حاولت التحدث مع والديك دون جدوى. لكن حاول مرة أخرى. لكن هذه المرة، مع تطبيق هذه النصائح:
تفهمّ نصيحتهم، ولا تبدأ برمي الاتهامات.. بل ركز على فهم ما يقولون. على سبيل المثال، لا تُنهي الحوار بقولك: “أنتم تتشبثون برأيكم جدًا” أو “أنتم دائمًا ما تعترضون على كل ما أقوم به!”
عوضًا عن ذلك، اسألهم، “هل يمكنكم إخباري لماذا لا توافقون على [هدفك]؟”
استمع دون اتهامات ولا أحكام مسبقة. حاول فهم وجهة نظرهم قدر استطاعتك، وذلك من خلال طرح الأسئلة والاستماع إلى رؤيتهم للقصة.
حاول طمأنتهما
بعد فهم وجهة نظرهما كاملة، حاول تهدئة مخاوفهما. إذا كانا يعترضان على حياتك المهنية لأنهما جرّبا ألم عدم الاستقرار المالي وبالتالي لا يريدونك أن تعاني في الحياة، فأعلمهما بخططك المهنية، وكيف تخطط لتوفير مالك، وماهيّة خطتك الاحتياطية إذا لم تنجح الأمور.
أكدّ لهم أنك لا تنساق خلف فكرة مجنونة، ولكنك تمتلك رؤية محددة. (إذا لم تكن تملكها، فابحث عن خطة أولاً!). من المحتمل ألا تنتصر لفكرتك من المناقشة الأولى، ولكن على الأقل يمكنك مواصلة النقاش.
ثقّف والديك
لقد نشأنا في عصر مختلف عن عصر أهلنا. نشأ والداي في عالم لم تكن فيه أجهزة الكمبيوتر والإنترنت على هذا القدر من الانتشار، وبالتالي كان “كسب المال من الانترنيت” مجرد خدعة في نظرهم.
في حين بات الإنترنت جزء لا يتجزأ من حياتي. يعتمد عملي بالكامل على الإنترنت.و لأن العالم تغير بشكل كبير، فقد نتج عن ذلك سلوكيات مختلفة (بل عقليات مختلفة ضمن الجيل الواحد!). اشرح لوالديك قدر الإمكان ما تفعله ولماذا تفعله. فليعلموا أن العمل لم يعد يتعلق بمجرد الاستقرار المالي، وهناك أشياء أخرى مثل السعادة الشخصية والإنجاز. اضرب لهم أمثلة لأشخاص اتبعوا مسارك المهني ذاته ونجحوا (سيعجبهم أن تلتقط إثباتًا من الصحف اليومية أو المواقع الإخبارية التي يثقون بها على سبيل المثال).
كلما عملت على ذلك، أدركوا أن هناك عالمًا مختلفًا بالكامل، وأن أمامهم الكثير لتعلمه.
استعن بطرف ثالث وسيط
كثيرٌ من الآباء لا يأخذون حديث أبنائهم على محمل الجد. حيث يؤمنون أن أبنائهم لا يعرفون شيئًا عن الحياة، حيث الحكمة تأتي مع تقدم العمر.
في هذه الحالة، جرّب أن تستعين بأحد أقاربك مثل عمتك، عمك، جدّك-ممن تحظى بعلاقة طيبة معه- واشرح له هدفك ولما تجده مهمًا. ثم اطلب منه أن يتحدث مع والديك حيال الأمر. عندما يتحدث شخص غيرك، ربما يستمع والداك بشكلٍ أكثر انفتاحًا.
تمسّك بموقفك
إذا استمر والديك في الاعتراض رغم كل محاولاتك السابقة، فربما حان الوقت لاتخاذ موقف يحمل رسالة “أنا أفهم أنكما تقومان بذلك لمصلحتي، لكنني درست الأمر جيدًا وأحطت علمًا بالمخاطر المحتملة. لذا أريد خوض هذه التجربة. وآمل أن تقفا إلى جانبي”، فإذا كان مسارك المهني هو مجال النزاع، أخبرهم أن “على الرغم من أهمية المال، لكن من المهم أيضًا أن أفعل ما يعجبني. أريد اكتشاف طريقي وسأعمل بجد لكسب دخل جيد في نفس الوقت. لذا لا تقلقا، أعرف ما أفعله وسأجعلكما فخورين بيّ”
دع أفعالك تتحدث نيابةً عنك
لا طائل من الكلام إذا لم تكن هناك نتائج. لذا، إن حاولت التحدث ولكن والديك لم يصغيا، فكرّس نفسك لهدفك. دع نتائجك تتحدث عن إنجازك. ربما تشعر ببعض الإحباط، لا بأس! استخدمه كوقود لتحفيز نفسك على تحقيق المزيد من النتائج. ألا تريد أن يثق والداك فيك؟ إذًا أظهر لهم سبب استحقاقك لثقتهم!
في الختام: تذكر أنهما يحبّانك!
ولو لما يكونا يهتمان بأمرك، لما شغلا نفسيهما بالاعتراض على ما تفعله (مخاطرين بتعريض علاقتك معهما للخطر!).
لذا، لا تكرههما، لا تلمهما، سيستغرق الأمر وقتًا حتى يغيروا رأيهم، ولكن عندما يريان أنك تنجح في طريقك، وتشعر بالسعادة لما تقوم به، سيدركان أنك لم تعد “طفلهما الصغير” الذي تتطلب العناية به تدخلهما المستمر. سيدركان أنك أصبحت شخصًا بالغًا، ومن حقه شقّ طريقه في الحياة وهو يعرف ما يفعله. وهنا سيبدأن بدعمك ومنح أحلامك مساحة للنمو أمام ناظريهما.
تمنياتي القلبية بحياة مليئة بالتوفيق والنجاح، ?
خبر بهيج: بات للرواية صفحة رسمية على الغود ريدز (شكرًا فرزت)
سؤال ربما يخطر في بالك: لماذا أشعر أن الحياة مملة؟ (الأسباب الـ 10 لتفسيّر ذلك!)
شكرا أخي على هذا الموضوع الأكثر من رائع .. أنا أيضا أواجه نفس المشكلة .. وسوف آخذ بنصائحك بلا شك .
العفو يا صديقي،
أرجو أن يوفقك الله في حياتك، وتذكر دائمًا: أهلك يُحبونك