ننطلق اليوم من تدوينة فرزت استمر بالمضي قُدمًا: الفن طريقًا للنجاة، وسؤاله المشروع تمامًا: لا أرى الأرقام المتزايدة، لا أرى تعليقات، فأحس بالفشل، لم أكتب؟ هل أستمر حتى بمتفرقات؟ لا أدري.
فكرت في ترك تعليق أُعلمه من خلاله أننا قراء صامتون، ثم خطر في بالي سؤال: لماذا نحن كذلك؟ وبما أنني إحدى الشخصيات النرجسية (تأكدت من ذلك بعد قراءة تدوينة صديقتنا ملاك الحياة مع النرجسي | كيف تنجو من انفصال عاطفي)، فسأبحث عن الأسباب داخل نفسي واستعرضها أمامكم، وربما جعلنا من سرد الأسباب فكرة للتدوين المشترك مع بداية شهر رمضان الكريم.
تبدأ القصة قبل عدة أعوام، حينها كنت لا أزال أعمل كموظف في شركة، متخذًا من التدوين هواية. وكان من عادتي أن أزور المدونات واحدة تلو الأخرى، اقرأ ما استجدّ في أحدها، واترك تعليقًا (عند الضرورة/الرغبة). لكن في أحد الأيام، لاحظت أن بعض تعليقاتي يمرّ عليها شهر أو أكثر وهي لا تزال قيد المراجعة! الأنكى من ذلك، كثيرًا ما لاحظت نشر صاحب المدونة تعليقات تليّ تعليقي (كما يُظهر توقيت كتابتها) دون نشر تعليقي.
يمكن اعتبار هذا التجاهل أبرز أسباب إعراضي عن التعليق.
السبب الآخر، أنا شخص سريع التشتت والتشتيت، أتحدث بسرعة وأكتب بسرعة وأتنقل بين المهام بسرعة، لذا كثيرًا ما أصل نهاية تدوينة ما، مشحونًا بالمشاعر والأفكار، ولكن قبل أن أبدأ التعليق، “يوسوس ليّ” عقلي أن أقرأ تدوينة أخرى.. وشيئًا فشيئًا.. تزدحم الأفكار داخلي.. حتى تصبح مهمة العودة إلى التدوينة الأولى وانتقاء الأفكار منها، أشبه بانتقاء إبرة أرجوانية وسط كومة قش، فأتخلى عنها.
السبب الثالث وربما الأخير، كلماتي غالية عليّ، لذا.. حين أرصّها في جمل منمقة ضمن تعليق لطيف، ثم أجدها تُنشر دون ردّ، أو مع ردٍَ تقليدي، حينها أشعر بالإهانة. خاصةً إن كانت المدونة جديدة (أي أن احتمالية قراءة آخرين -عدا صاحب المدونة- لتعليقي ضعيفة).
هذه الأسباب هي ما يدفعني للإعراض عن كتابة ردود في مدونات الآخرين، أو وضع تعليقات على منشوراتهم في صفحات التواصل الاجتماعي، أو الردّ على معايداتهم (الجماعية). وبدلًا من ذلك، أُشير إليها ضمن تدويناتي.
المشاركة في كورا
يستعرض أ. طريف مندو في تدوينته لماذا لا أشارك على منصة كورا أسبابه الخاصة، وأجد أن من الجيد مناقشة تلك الأسباب (من منظور شخصي بحت):
لا يمكن تصدير إجاباتك في كورا: بالنسبة ليّ، هذه ليست مشكلة تمنعني من المشاركة، فالهدف هو تقديم إجابات لاسئلة “وليدة اللحظة/المرحلة”، وبمجرد انقضائها لا يعود لتلك الإجابة قيمتها الحقيقية. وإن كنا نرغب في الاحتفاظ بنسخة من الاجابات، فالحل الذي قدّمه أ. طريف (إعادة نشر الإجابات على مدونة شخصية) يبدو مقبولًا، ولكن الأفضل ألّا تكون مجانية، لماذا؟ لأننا بذلك نضعها تحت رحمة الشركة مقدمة الخدمة، وهذا لا يختلف كثيرًا عن وضعها في كورا!
سيناريو فقدان كل المشاركات هناك في حال إنهيار الشركة هو سيناريو مُحتمل: لنكن واقعيين هنا، فقدان المعلومات احتمال وراد دائمًا وأبدًا، لا أتحدث هنا عن عالم الويب .. بل وحتى خارجه، هل ستضع مشاركاتك على مدونة مجانية؟ قد تفقدها إن قررت الشركة صاحب الخدمة حذفها ولن تتمكن من الاعتراض.
مدونة على استضافة مدفوعة؟ لا زلنا نواجه نفس الخطر، فالاستضافات المدفوعة أيضًا شركات تسعى للربح، وقد تُفلس وتنهار في أي لحظة.
خدمة استضافة سحابية؟ موقع لرفع الملفات؟ هل تُمازحني؟!
ماذا عن الاحتفاظ بها على حاسوبك الشخصي؟ مممم.. أليس معرضًا للفيروسات؟
سأضعها في حاسوب لم يسبق له الاتصال بالشبكة العنكبوتية: أقراص التخزين الصلبة (Hard Disk) ستبقى دائمًا معرضة للتلف!
هذه ليست نظرة تشاؤمية، لكن طالما وضعنا احتمالية فقدان البيانات في ذهننا، فيجب أن نوسع نطاق رؤيتنا للاحتمالات.
إذًا، ما هو البديل؟
أن نُبقي الوضع كما هو، ننشر الإجابات آملين أن تغير حياة صاحب السؤال وقارئيه (إلى أن تنهار الشركة!)، وهذا هو الهدف من كورا.. أليس كذلك؟
ملاحظة: أثناء كتابة التدوينة، شارك أستاذنا المهيري خمس وسائل لأرشفة المدونات، وأجد أن الوسيلة الأولى أكثر من ممتازة لمن أصرّ على الاحتفاظ بإجاباته.
المدينة الوحيدة: مغامرات في فن البقاء وحيدًا
التقطت هذا الكتاب من رف متجر لبيع الكتب المستعملة (لا المقرصنة)، تصفحته على عجل باحثًا عن رسالة من قارئ سابق، وللأسف.. لم أجد شيئًا! فكان لزامًا عليّ أن أمضي في قراءته وحيدًا دون استرشاد، ربما تتسائل الآن: ولماذا لم تقرأ مراجعاته على Goodreads مثلًا؟ فكرة جيدة في ظاهرها إلى أن تعلم أنني هجرت الموقع منذ زمن بعيد، فلا أزوره إلا لمامًا (وتحديدًا لتأمل صفحة روايتي هناك).
ببساطة، أنا أبحث عن تجربة شخصية مع الكُتب، وفي غودريدز ينشر الجميع ملخصاتٍ للكتب التي قرأوها وآرائهم فيها دون أن يتحدثوا عن الآثر الذي تركه الكتاب داخلهم. هل فهمت مقصدي الآن؟
نعود إلى الكتاب، تتحدث المدوِنة بشرى بعنوان أقل مباشرة (المشي وحيدًا في شوارع نيويورك) عن الكتاب، ونتشارك وجهات النظر في عدة نواحي: من أبرزها إعجابنا بلوحة( Nighthawks) لإدوارد هوبر والتي زيّنت بها “بشرى” وسط التدوينة، في حين اتخذتها أنا خلفية لهاتفي المحمول.
الأمر الآخر، وهو الاقتباس الذي يستحق أن يُعلّق كلوحة:
“عندما يدخل الفرد في تجربة الوحدة، فإنه يستدعي ما يُسميه علماء النفس باليقظة المفرطة تجاه المخاطر الاجتماعيّة. هذه الظاهرة التي اقترحها فايس لأول مرة في سبعينات القرن الماضي. وفي هذه الحالة، التي يدخل إليها الفرد دون علم منه، يبدأ بخوض تجاربه في العالم بطريقة سلبية متصاعدة، ويكون مستعدًّا لتوقع وتذكر حالات الوقاحة التي يتم التعامل بها معه، ويمنح هذه الحالات أكبر من وزنها بكثير، ويتجاهل التصرفات اللطيفة التي يتم استقباله بها، ولا يضعها باعتباره. يصبح الفرد الوحيد في هذه المرحلة أكثر عزلة وشك وابتعاد عن الآخرين. وبسبب أن هذه “اليقظة المفرطة” لم يتم تحديدها بشكل واع، فإنه من الصعب جدًا إدراك هذه النزعة أو تصحيحها.”
يبدأ بخوض تجاربه في العالم بطريقة سلبية متصاعدة
ليس هناك أدّل على ذلك من حالة الخمول الغريبة التي أحياها، أرسلت منذ أيام رسالة طويلة للأستاذ عبدالمحسن العنيق (صاحب منصة زِد التي أعمل فيها)، وأعربت فيها عن رغبتي بالاستقالة، لكنني ضمّنت رسالتي مقولة:
أصدقك القول، تراودني كثيرًا فكرة تقديم الاستقالة.. لا أعلم! أنا مشوش كثيرًا. نتائج عملي في الموقع لا تُرضيني، لا زال هناك الكثير من المهام التي لم أتمكن من إنجازها (كمسألة الفيديوهات والنشرة البريدية ودليل الكتابة).
ومرّرت بعدة لحظات، لعدّة مرات، فكرت خلالها في طلب إجازة من العمل. المشكلة فقط أن زِد أضحى -في الآونة الأخيرة- مصدر دخلي الوحيد!
وكأنني أقول: أرجوك! لا تدع أفكاري السلبية تسيطر عليّ.
يتجاهل التصرفات اللطيفة التي يتم استقباله بها
وصلني ردّه اللطيف والرائع خلال أقل من 12 ساعة، لكن بدلًا من أن أتحمّس للعمل أكثر، وأنفض غبار الكسل عن كاهلي، أو على الأقل.. أردّ وأشكره.. وجدتني صامتًا.
لم يكن مرّد ذلك إصابتي بوعكة صحية ألزمتني الفراش بضعة أيام فحسب، لكن.. كلما تأملت مقدار اللطف الذي بثّته كلماته في حياتي، كلما رغبت بالابتعاد أكثر شاعرًا أنني لا أستحق هذه المعاملة الخاصة!
هل أحاول استجداء الشفقة والعطف؟
هذا سؤال جدير بالاهتمام، الإجابة المختصرة: لا!
لو أردت ذلك، لحاولت إخفاء هويتي عن طريق الكتابة باسم مستعار في شبكات التواصل الاجتماعي مثلًا، هناك، يكون التفاعل آنيًا، ويُكسب المرء شعورًا مؤقتًا بالسعادة. لكن في الواقع، أنا حريص على تأريخ هذه الفترة من حياتي تطبيقًا منيّ لما أشرت إليه في تدوينة سابقة.
يروق ليّ في هذا المقام أن أُشير إلى تدوينة كيف جعلتني مواقع التواصل أقل تواصلًا؟، فكرة التدوينة في حدّ ذاتها ليست بجديدة، بل وتكاد تُصبح “تريند” في حد ذاتها!
ففي السابق، كانت الحياة العملية ومصاعبها تدفعنا نحو خلق حياة افتراضية في عالم شبه افتراضي يُدعى (شبكات التواصل الاجتماعي)، لكننا الآن انفردنا بأنفسنا، ولم يعد هناك ما نهرب منه (اللهم إلا إقرارنا بأن حياتنا السابقة كانت فارغة!). لهذا السبب، أتوقع نزوحًا جماعيًا من تلك الشبكات الهزلية، نحو خياراتٍ أكثر جديّة.
بل ويمكننا رؤية أولى البشائر هنا. أحييّ آ. ولاء على هذه الخطوة، وأتمنى لها التوفيق. ونصيحتي لها هنا:
مع احترامي -الواضح كعين الشمس- للأستاذ يونس بن عمارة، لكنني أراه قد جانب الصواب في استغنائه عن مشاركة التدوينات، أخبرك بذلك لأن احتمالية تأثرك برأيه كبيرة (بما أنه عرّابنا التدويني).
صحيح أن الفهرست مفيد في اكتشاف مدونات جديدة، لكنه يفتقد لمساحة التفاعل بيننا كمدونين (على الأقل ريثما يُطلق مجتمع الفهرست بشكل رسمي).
هل لديك حلم مماثل؟
يطرح أستاذنا عبدالله المهيري فكرة (أحلام الطفولة غير المحققة) للمرة الثانية في مدونته.
بالنسبة ليّ، لطالما حلمت بتصميم ألعاب إلكترونية أشاركها مع العالم، ووقف ضعف إمكانيات حاسوبي حائلًا دون تحقيق ذلك الحلم.
الآن، امتلك جهاز Dell Latitude E6540 والذي يمكّنني من تحقيق ذلك الحلم (خاصةً في ظل وجود عشرات المنصات وبرامج تصميم الألعاب السهلة)، لكن الرغبة داخلي اضمحلت.
حقيقة أحب أسلوبك فـ الكتابة، وأود أن أكون مثلك، أريد أن أصبح مدون ومحرر ومدقق لغوي وأود ف البداية تعلم العربية الفصحى من الأساسيات إلي الأحتراف ، لكني تائه وأفتقر إلي المصادر فـهل تتفضل علي بكرمك وتخبرني عن خارطة الطريق التي سرت عليها وكيف كانت بداياتك.
تعليقك الرائع.. ماذا عساي أردّ عليه؟🥰
لأكون صادقًا، أتمنى لو تصبح أفضل منيّ، ولذا دعني أقترح عليك الجهة الصحيحة للتعلم: رديف