عام 2016، حضرت جلسة على هامش مؤتمر سيّرته متحدثة جذابة (سبق وأن كتبت -بشكل رائع- عن طفولتها المسيئة). أثناء فقرة الأسئلة والأجوبة، التقط كاتبٌ الميكروفون وسأل بخجل: “حاولت الكتابة عن طفولتي، لكن توقفت عقب خمسين صفحة. أحتاج لإنهاء هذه القصة، لكن في كل مرة أحاول ، لا أستطيع. هل يمكنك إخباري كيف أنهي كتابي؟“
أكّدت المتحدثة على مفهوم (العناية بالذات/Self-care) وطلبت من السائل الاستمرار في إظهار نفسه على الملأ.
في العام التالي، تكرر الموقف مع كاتب آخر ومتحدث مختلف: العناية بالذات.. الظهور على الملأ. الثقة بنجاح الأمر. وإذا كان صعبًا للغاية، فاكتب عن شيء آخر.
عند تدريب الكتّاب، يأمل الكثيرون أن أشارك بعض النصائح السحرية التي ستعُينهم على الكتابة بجرأة عن آلامهم دون اضطرارهم للشعور بها من جديد. لسوء الحظ، هذا ليس خيارًا. تتطلب الكتابة الجيدة قلبًا منفتحًا. هذا يعني أنه يجب عليك استعادة جزء صغير من الحادث أثناء الكتابة عنه. عندما يتعلق الأمر بالصدمة النفسية، يمكن أن يكون ذلك تحديًا حقيقيًا. يمكن أن تكون التجارب الصادمة شديدة لدرجة أنها شلّ تفكيرك. البعض يراوغ اللغة. يمكن أن يؤدي الجلوس معها لفترة طويلة إلى ردود أفعال تُشبه الغليان في أواني الطبخ. قد ينهي ذاك الشغف الذي يغذي مشروعك.
لتكتب بإستدامة عن الصدمة النفسية، عليك أن تكون كغلّاية الشاي التي تسمح بدفقة صغيرة ومستمر من المشاعر بالتدفق منك؛ عملية تتطلب الوسطية.
ممارسة الوسطية أثناء الحديث عن الصدمات النفسية
غالبًا ما تتضمن الصدمات النفسية خطوطًا حمراء تُشعرنا بالخوف والارتباك والضعف. بينما قد تواجه هذه المشاعر أثناء الكتابة، يمكنك الإلتفاف حول (تلك الحدود) عبر تعديل المحتوى الذي تختار العمل عليه. لفعل ذلك، ضع قائمة باللقطات أو المشاهد المحتملة ثم صنّفها من واحد إلى عشرة.
تقع أفضل الكتابات بين النقطتين الرابعة والسابعة؛ “المشاهد التي نشعر باسترجاعها بمشاعر معينة، ولكنها ليست قوية بما يكفي لننفجر! أي موقف بدءًا من ثمانية ربما يحتاج لعلاج نفسي أولاً.
عندما تكون مستعدًا للكتابة، حدد عدد جلسات “الكتابة المشحونة” ومدتها؛ أي ما قيّمته بستة أو أكثر)، بما لا يزيد عن ثلاثين دقيقة، ولا تزيد عن ثلاث مرات في الأسبوع. إذا كان لديك وقت إضافي للكتابة، فاعمل على فكرة أقل حدّة وأخف وطأة.
ركز على المعنى
الصدمة النفسية استجابة لا هوية. تتطلب الكتابة الجيدة عن المواقف التي تثير هذه الاستجابات 3 خطوات:
- الشهادة عمّا حدث.
- منحه معنى ومكانة في حياتك.
- السماح للموقف بالرحيل.
عندما نتحدث عمّا تحملناه من أذيّة، كثيرًا ما يُشجّع الكتاب على “إخراج كل شيء” سعيًا للشعور بتحسن. في حين قد تشعر ببعض الراحة المؤقتة بعد كتابة مسودة تشافي، لكن التنفيس ليس سوى البداية. يمكن أن يؤدي التوقف عند هذه النقطة دون إعطاء معنى من تجربتك إلى تعزيز تأثير الصدمة على جسدك وعقلك.
عندما أشير إلى صنع المعنى، فأنا لا أتحدث عن النظرة التفاؤلية “الخرقاء” التي تساعدك في العثور على مزايا اغتصابك أو اكتشاف كيف كان الهجوم الوحشي -في الواقع- لمصلحتك. وإنما أتحدث عن مواجهة المفاهيم الخاطئة التي تمسكت بها، مثل الاعتقاد بأن ذلك كان خطأك، ثم الكشف عن الطرق التي نضجت بها سواء (على الرغم من) أو (كنتيجة مباشرة) لما حدث.
صاغ عالم النفس ريتشارد تيديشي “Richard Tedeschi” عبارة ارتقاء ما بعد الصدمة (PTG) لشرح التغييرات الإيجابية التي يمكن أن تنشأ من الشدائد. هذه التغييرات الإيجابية شائعة كالتغييرات السلبية تمامًا، ويمكن أن تشمل زيادة التعاطف، والاعتراف بنقاط القوة الشخصية، وتبدّل الأولويات. لنأخذ مثال الاعتداء كمثال؛ ربما كان الهجوم نفسه بلا معنى وغير مبرر، ولكن في سبيل الشفاء، أنت الآن أكثر تعاطفًا مع الناجين الآخرين وأكثر شجاعة في التحدث عن الظلم الذي تعرضوا له.
بمجرد تحديد المعنى، يتبغي التحرر من الحدث بحد ذاته. بهذا، ستحمي نفسك من التماهي مع صدمتك النفسية وبدلاً من ذلك ستفسح المجال للمراجعة التي ستساعدك على تحويل شيء مريع إلى فن. إنها أيضًا الطريقة التي ستساعد بها القراء على التعلم منك بشكل غير مباشر.
هناك العديد من الطرق للعثور على معنى في قصصنا، ولكنها -في معظمها- تتضمن تخصيص وقت طويل للجلوس واستكشاف تلك اللحظات الصعبة. لتجنب الضياع بداخلها، تحتاج لعملية تسمح لك بطرق بابها، وإنجاز العمل، ثم متابعة يومك.
تقنية الدَفتين
نظرًا لعمق الذكريات المؤلمة داخلنا، فمن السهل أن تنقطع بنا السبل داخل ذاكرتنا ثم نكافح لإيجاد طريقة للعودة إلى اللحظة الراهنة “هُنا والآن”. تعمل تقنية (الدفتين bookend) على تركيز وقت كتابتك بين وقت للعناية بالذات وآخر تقضيه ضمن بيئة محفّزة، ذاك يساعدك على الاختيار بحكمة والبقاء متحكمًا حتى في أكثر جلسات الكتابة تحديًا.
التقنية مفعمة بالطقوس عمدًا. عند استخدامها بانتظام، تحفّز الطقوس الدماغ على العمل بطرق معينة. لهذا السبب يشرب الكثير من الكتاب أكواب الشاي، أو يأخذون أنفاسًا عميقة قليلة، أو يضيئون الشموع لاستدعاء إلهامهم. يمكن أيضًا استخدام الطقوس لإنهاء حدث. اشتهر الكاتب الأمريكي ( أندريه دوبوس Andre Dubus) بكتابة “شكرًا” في دفتر ملاحظاته نهاية كل جلسة كتابة. تعمّد همنغواي خربشة الحدث التالي للذي أنهى جلسة الكتابة به. يتمشى بعض الكتاب عقب جلسة الكتابة، أو يقرعون جرسًا ما، أو يطفئون تلك الشموع.
إذا وددت فعل المثل، فإليك الخطوات:
- قيّم حجم طاقتك ومقدار الوقت المتاح لك للكتابة.
- اختر مشهدًا بكثافة تتماشى مع ما تعلمته في الخطوة الأولى.
- إذا كنت تخطط للكتابة عن شيء تم تقييمه كـ 6 أو أعلى، فتواصل مع صديق الكتابة. أخبرهم بمستوى الشدة التي اخترتها وطول جلسة الكتابة، ثم اطلب تحديد موعد بعد الكتابة لمناقشة خطة عنايتك بذاتك أو التحدث ببساطة عن شيء آخر ، مثل خططك لبقية اليوم.
- أدِ طقوسًا سريعة أو تأملًا قصيرًا
- اضبط المؤقت لمدة 20 دقيقة.
- عندما ينطلق التنبيه، لاحظ: هل كل شيء على ما يرام؟وبناءً على إجابتك، امنح نفسك 10 دقائق إضافية.. أو توقف.
- أكمل طقوسًا نهائية مثل المشي أو شرب الشاي الساخن أو “المطمطة” لإنهاء جلسة الكتابة.
- تواصل مع زميلك في الكتابة كطريقة أخيرة للتواصل مع (هنا والآن).
- استرح وافعل شيئًا مهدئًا لإعادة الشحن قبل مواصلة يومك.
هذه حفنة من الحيل التي يمكن أن تساعدك في الكتابة عن الصدمات النفسية. يمكن أن يؤدي التدرب عليها بانتظام إلى تحويل قصة تحتاج إلى كتابتها إلى قصة لم تنته بعد فحسب، بل تمت تسويتها أيضًا.
اقرأ أيضًا: نقاش عشوائي عن التبسيط والمتعة
يعود الفضل في اكتشافي السبيل لهذه التدوينة الرائعة إلى نشرة $TILT
تعليق واحد على “كيف تكتب عن مخاوفك وصدماتك النفسية؟ 🤐”